غذاء ومناخ
القمح هو محصول شتوي إستراتيجي، يُزرع عادةً في نوفمبر/تشرين الثاني، ويُحصد في أبريل/نيسان، وينمو بشكل أفضل في حرارة أقل من 30 درجة مئوية. إلا أن العديد من البلدان تشهد ارتفاعًا في درجات الحرارة، خاصة قرب نهاية موسم النمو، ما يسبب ما يسمى بالإجهاد الحراري، والذي يظهر في ذبول النباتات ويؤدي إلى انخفاض الإنتاجية.
وعلى سبيل المثال، شهدت الهند أحر شهر مارس في عام 2022 منذ بدء تسجيل درجات الحرارة في عام 1901، حيث تجاوزت الحرارة المعدل الطبيعي بمقدار 4-6 درجات مئوية في أجزاء كثيرة من البلاد، وفقًا لتقرير اطلعت عليه منصة “غذاء ومناخ”.
وفي سهول الشمال، أثرت موجة الحر سلبًا على الحياة البشرية والنباتية، وفي الحالة الأخيرة، أثرت على محصول القمح الدائم. وقال مزارع بذور في رامبا، وهي قرية في كارنال بولاية هاريانا، يُدعى بارفيندر سينغ، لموقع “إندياسبيند” إن المزارعين في قريته فقدوا ما بين 20 إلى 40% من متوسط إنتاج القمح.
وأشار مدير برنامج البحوث العالمية – المزارع والنظم الغذائية القادرة على الصمود، ICRISAT، مانجي لال جات، إلى أن درجات الحرارة المرتفعة لا تؤثر على النباتات بشكل مباشر فحسب، بل تزيد أيضًا من معدلات التبخر، مما يؤدي إلى تفاقم الظروف الشبيهة بالجفاف وتقليل الإمدادات الزراعية ومياه الشرب في وقت هناك حاجة إلى المياه أكثر من المعتاد.
وأضاف: “الري الإضافي أمر حيوي لزيادة رطوبة التربة وتخفيف الضغط الحراري على المحاصيل”.
وأدت موجة الحر التي ضربت الهند عام 2022 إلى تقليص إنتاج القمح في البلاد إلى 107 ملايين طن، وهو أقل من توقعات الحكومة الأولية البالغة 111 مليون طن، ما أثر سلبا على معدلات التضخم في البلاد، ودفعها للارتفاع، واضطر الحكومة لحظر الصادرات.
والقمح هو خيار الحكومة الأساسي للحبوب لتزويد 810 مليون شخص بحصص دعم الخبز مجانًا في كل أنحاء البلاد. ويعد إنتاج وتخزين ما يكفي من القمح أمرًا حيويًا للأمن الغذائي في البلاد. لكن التقلبات المناخية في السنوات الأخيرة قلصت مخزونات القمح إلى 75.02 مليون طن بحلول أبريل 2024، وهو أدنى مستوى منذ عام 2008.
ومع توقع أن يصل عدد سكان الهند إلى 1.5 مليار نسمة بحلول عام 2030، فإن الطلب المتوقع على القمح لهؤلاء السكان سيرتفع إلى نحو 140 مليون طن. غير أنه لا وجود لطريقة واضحة لزيادة إنتاج القمح المحلي إلى المستوى الأمثل، بسبب التقلبات المناخية التي تسببت في تذبذب الإنتاج على مدى السنوات الخمس الماضية.
وتُبذل جهود لتطوير واختبار أصناف من القمح قادرة على مقاومة الجفاف والحرارة، وهي مهمة شاقة في مواجهة مناخ دائم التطور، لكنها ضرورية لحماية غذاء أساسي للملايين، ويجري العمل في المختبرات في كل أنحاء الهند والمزارع التجريبية مثل مزرعة سينغ.
وقالت الباحثة في مجال القمح في جامعة البنجاب الزراعية، أكلا شارما: “استعدوا لمشكلة واحدة، وفي الموسم المقبل ستواجهون تحدياً جديدًا”.
بينما سيركز الباحثون في أستراليا على تطوير جينات القمح المتحمل للحرارة خلال السنوات الثلاث المقبلة، وفق “فيوتشر فارمينغ“.
كما سيركز الباحثون -أيضًا- على ما يجعل محصول القمح قادرًا على البقاء والنمو وإنتاج المحاصيل في ظل ظروف درجات الحرارة المرتفعة.
وأبرمت مؤسسة أبحاث وتطوير الحبوب (GRDC) شراكة مع الجامعة الوطنية الأسترالية (ANU) وشركاء الصناعة لاستثمار 1.9 مليون دولار أسترالي في مشروع بحثي مدته ثلاث سنوات لتسريع تطوير المحاصيل المقاومة للمناخ.
ووفقًا لمدير معهد ابتكار الأغذية الزراعية (AFII) بجامعة ANU، البروفيسور أوين أتكين، فإن ارتفاع درجات الحرارة العالمية يؤثر بالفعل على كميات المحاصيل في المناطق الحرجة لإنتاج الغذاء في كل من أستراليا وخارجها.
وقال أتكين: “شهدنا في السنوات الأخيرة زيادة في موجات الحر الناجمة عن ظاهرة الاحتباس الحراري، والتي أثرت على إنتاج القمح في جميع أنحاء أستراليا والعالم”.
وأضاف: “من المتوقع أن تؤدي كل زيادة بمقدار درجة واحدة في متوسط درجة الحرارة العالمية إلى انخفاض بنسبة 6 إلى 10% في إنتاج القمح. وهذا أمر مقلق للغاية نظراً للحاجة الملحة لزيادة إنتاجية المحاصيل في أستراليا بما يتماشى مع تزايد عدد السكان”.
إلا أن دراسات أخرى أشارت إلى أن الخسارة في محصول القمح العالمي مع زيادة كل درجة حرارة مئوية تبلغ 6.0 ± 2.9%، بحسب “فرونتيرز“
وأضافت أنه تسمى درجة الحرارة المرتفعة في فترة امتلاء الحبوب بالإجهاد الحراري النهائي، وعند البذر بالإجهاد الحراري المبكر.
و تواجه عمليات إنتاج القمح ونموه قيودًا صعبة ناجمة عن الصدمات الحرارية المبكرة والنهائية.
كما ثبت أن الزيادات في درجات الحرارة تعمل على تسريع تطور السنبلة مع تقليل عدد السنيبلات والبذور المتكونة في كل سنبلة.