غذاء ومناخ
أطلقت منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) بالتعاون مع منتدى البحوث الزراعية في أفريقيا، مطبوعًا بعنوان “إدماج أغذية أفريقيا المنسية من أجل تغذية أفضل”، إلى جانب مطبوع بعنوان “مجموعة الأغذية المنسية في أفريقيا، الذي يدرج قائمة تضم 100 من الأغذية المحلية، التي تستطيع تمهيد الطريق إلى الممارسات الغذائية المستدامة والقادرة على الصمود، وفق تقرير تلقت منصة “غذاء ومناخ” نسخة منه اليوم الخميس 25 يوليو/تموز 2024.
وتمتدّ أهمية هذه الأغذية لما يتجاوز بكثير قيمتها التغذوية، إذ أنها تعبير عن الهوية الثقافية والروابط المجتمعية والمعارف المتوارثة، كما أن الأطباق التقليدية ومكوناتها تتشبع بالقصص والعبر المتوارثة عبر الأجيال.
ومن بين مئات الأغذية المنسية المدرجة في المطبوع، نوعان من حبوب الفونيو، وهي حبوب عالية القيمة الغذائية تُزرع منذ أمد بعيد في جميع بلدان غرب أفريقيا من السنغال إلى تشاد.
وتزدهر حبوب الفونيو البيضاء في ظروف التربة الفقيرة، وتُعرف بدورة نموها السريعة، في حين تُزرع حبوب الفونيو السوداء بشكل أساسي في نيجيريا وفي المناطق الشمالية من توغو وبنن. وتتميز حبوب الفونيو بتنوع استثنائي في استخداماتها لأغراض الطهي، إذ يمكن طهي بذورها على غرار الحبوب مثل الكسكس، ويمكن طحنها لصنع الخبز أو استخدامها في صنع العصائد العريضة والرفيعة على حدّ السواء. ويمكن استخدام بذورها الكاملة تمامًا كالفوشار.
ومن أبرز الأغذية الواردة في المطبوع -أيضًا- ثمار الباوباب التي تنمو على الشجرة المعروفة في مدغشقر باسم “شجرة الحياة”. ونظرًا إلى الشكل المتميز لهذه النبتة المهيبة، تروي أسطورة عربية أن “الشيطان اقتلع شجرة الباوباب وغرس أغصانها في التربة وترك جذورها معلقة في الهواء”.
وتحظى أشجار الباوباب بالتقدير كونها معمّرة، وبعضها لأكثر من 000 1 عام، وتحيطها الكثير من الخرافات، وهي غنية بقيمتها التغذوية وتنمو في المناطق الأكثر جفافًا من القارة.
وثمار الباوباب غنية بالفيتامين A ومضادات الأكسدة والألياف القابلة للذوبان، ويمكن استهلاكها بطرق متنوعة، إذ يمكن أكلها مجففة على غرار الوجبات الخفيفة، أو ممزوجة بالحليب لصنع عصيدة مغذية تمدّ المستهلك بالمغذيات الأساسية التي تعزز البصر وصحة الجهازين المناعي والهضمي.
ويشهد الإرث الزراعي التقليدي في أجزاء كثيرة من القارة الأفريقية، تهميشًا بسبب التحوّل إلى المحاصيل النقدية وطرق الزراعة المكثفة. ولم يقتصر التغيير الذي أحدثه هذا التحوّل على الساحة الزراعية فحسب، بل طال أيضًا النسيج الاجتماعي داخل المجتمعات المحلية. ففي التقاليد القديمة، كانت الزراعة في أفريقيا جهدًا جماعيًّا تؤدي فيه المعرفة، التي تحتفظ بها النساء في أغلب الأحيان، دورًا حاسمًا في زراعة محاصيل متنوعة.
وتعدّ إعادة إحياء هذه المحاصيل، المتكيفة مع هذه الأرض وهذا المناخ، خطوة نحو التوازن الإيكولوجي. فهذه المحاصيل تمتلك قدرة طبيعية على الصمود أمام العديد من الآفات والأمراض المحلية، وتتوافق جيدًا مع ظروف المناخ والتربة السائدة في موائلها الأصلية، مما يجعل المدخلات الزراعية المطلوبة لزراعتها أقلّ مقارنة مع نظيراتها المستوردة.
ويمكن للمزارعين، من خلال زراعة هذه المحاصيل، أن يخفّضوا من اعتمادهم على مبيدات الآفات والأسمدة الكيميائية، مما يعزّز التنوع البيولوجي ويحافظ على سلامة التربة، وفق تقرير الفاو.
ويُشكّل الطريق إلى إعادة اكتشاف الأغذية التقليدية في أفريقيا تحولًا مهمًّا نحو تشجيع تجارة الأغذية المحلية، حيث تتحكّم المجتمعات المحلية بنظمها الزراعية والغذائية، بدءًا من البذور التي تغرسها وانتهاءً بالمحاصيل التي تحصدها وتستهلكها.
ويتميز هذا التركيز على التجارة بأهمية حاسمة بالنسبة إلى الأمن الغذائي، خاصة في المناطق التي تتأثر بتقلبات الأسواق وآثار المناخ، نظرًا إلى قدرته على تعزيز فرص إطلاق مشاريع جديدة، وزيادة الإنتاج، ويعزز القيمة من أجل الوصول إلى أسواق جديدة.
وترتبط إعادة إحياء هذه الأغذية التقليدية، بدءًا من الأسواق المحلية الصاخبة حيث تستعيد هذه الأغذية مكانتها وانتهاءً بالمطابخ حيث تتحول إلى أطباق تفوح بروائح عطرة، بأكثر من مجرد تناول المأكولات. فهي ترتبط أيضًا بحفظ التراث والحفاظ على البيئة وتمكين المجتمعات المحلية. وهي حركة تتلاقى مع أهداف حفظ التراث، والأمن الغذائي، والاستدامة البيئية.