غذاء ومناخ
تسيطر مئات الآلاف من العائلات في مدغشقر على نحو 50٪ من السوق العالمية للفانيليا، وتُعد المكسيك موطن هذا النبات الأصلي، الذي يعرفه كل منتجي ومحبي الأيس كريم، إذ أنه مكون أساسي في إنتاجه مع كثير من الأطعمة الأخرى، لكن إنتاج البلدين مهدد بالعواصف والمبيدات الحشرية.
وتعرضت مدغشقر، الدولة الأفريقية، هذا الموسم، لإعصار جامان، ما أدى إلى غمر الحقول بالمياه، وجُرد قرون الفانيليا من كرومها في وقت سابق العام الجاري (2024)، مما تسبب في مخاوف من نقص وشيك، وفق تقاريرعدة اطلعت عليها منصة “غذاء ومناخ“.
وقال الرئيس التنفيذي لـ “أيانا بيو”، وهي شركة تكنولوجيا تنتج مكونات نشطة بيولوجيًا لدعم الصحة والعافية، فرانك جاكش: “كان هذا تأثيرًا بطيئًا وسيستمر هذا في أن يكون انحدارًا بالوتيرة نفسها-يقصد تغير المناخ المتسبب في العواصف- لكن التأثير الأوسع الذي ظهر على السطح، هو أننا بدأنا الآن نشهد تأثيرًا في الفواكه والخضروات والنباتات المختلفة”، وفقًا لـ “مانوفاكتيرينغ ديف“.
وقال منتجو الفانيليا في جزيرة مدغشقر الاستوائية، إن الإعصار الذي قتل 78 شخصا، ألحق أضرارا بنحو 30% من المحصول، وفق وكالة رويترز، “لذلك غالبًا ما يتم الاحتفاظ بالحبوب الثمينة تحت حراسة مسلحة بعد ارتفاع الأسعار من نحو 20 دولارا للكيلوغرام في عام 2010 إلى نحو 500 دولار للكيلوغرام العام الماضي( (2023”.
نكهة الفانيليا
تستعمل نكهة الفانيليا في منتجات كثيرة من الآيس كريم إلى القهوة. وتنتج مدغشقر ما يقرب من نصف محصول العالم، وفقا لمنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو).
وفي عام 2015، قُدِّر أن مدغشقر أنتجت 3914 طنًا من إجمالي عالمي يبلغ 8294 طنًا، وفقا لبيانات الأمم المتحدة المتوقعة. ولم تتوفر بيانات أحدث بسبب تأخر وقت الحصاد.
وضرب الإعصار إيناوو الجزيرة الواقعة في شرق أفريقيا في مارس/آذار. وقالت السلطات إن العاصفة قتلت 78 شخصًا وشردت نحو 250 ألفًا وأصابت 250 آخرين.
وقالت رئيسة مجموعة المصدرين الوطنيين للفانيليا، مامي رازاكاريفوني: “إن تدمير الحقول والنباتات المقتلعة (يعني) خسائر تقدر بنحو 30%”. بدوره أشار عمدة منطقة أنتالاها، إيدي فرناند، إلى أن تحقيق محصول الفانيليا أرباحًا وفيرة خلال السنوات الماضية، دفع المزارعين إلى التركيز على إنتاجها دون غيرها من المحاصيل.
وقال إن 95% من محصول منطقته تعرض للدمار، “والآن تواجه بعض الأسر الخراب”.
ورغم الإعصار، ذكرت بعض التقارير في يونيو/حزيران، أن أسعار الفانيليا – وخاصة فانيليا مدغشقر – شهدت انخفاضات كبيرة، والتي تعزى -إلى حد كبير- إلى رفع الحواجز أمام التصدير، إلى جانب الحصاد الوفير.
والمكسيك موطن الفانيليا، هي المكان الوحيد في العالم الذي يجري فيه تلقيح نبات الفانيليا بدون مساعدة بشرية، عبر أنواع محددة من النحل، لكن استعمال المبيدات الحشرية بكثرة يهدد بالقضاء على هذا النحل، مما يهدد بدوره سبل عيش البشر، وفقا لـ”دويتشه فيله“.
يُذكر أن الفانيليا، هي واحدة من أغلى المكونات الغذائية في العالم. وفي الوقت الذي تهدد المبيدات الحشرية والأسمدة الكيماوية الحشرات في موطن الفانيليا الأصلي، أصبحت الملقحات الطبيعية نادرة بشكل متزايد. وهذا له عواقب وخيمة على النظم البيئية، وعلى المزارعين الذين يعتمدون على الفانيليا لكسب لقمة العيش.
وتدخل تلك التوابل العطرية في إنتاج ما يقدر بنحو 18 ألف منتج في السوق، تحتوي على نكهة الفانيليا اليوم، وفقًا لـ “سميثسونيان“.
الصبي المستعبد إدموند
في حين يُنسب إلى شعب توتوناك في فيراكروز بالمكسيك الحديثة أنهم أقدم مزارعي الفانيليا، فإن أقدم التقارير عن استخدام الفانيليا تأتي من المايا قبل كولومبوس. واستعمل المايا الفانيليا في مشروب مصنوع من الكاكاو والتوابل الأخرى. وبعد غزو إمبراطورية توتوناك، حذا الأزتيك حذوهم، وأضافوا الفانيليا إلى مشروب يستهلكه النبلاء ويعرف باسم “شوكلاتل”.
وكان الغزو الإسباني للأزتيك في عام 1519 سبباً في جلب الزهرة العطرية – ورفيقها الكاكاو – إلى أوروبا. وكانت الفانيليا تُزرع في الحدائق النباتية في فرنسا وإنجلترا، لكنها لم تُنتج بذورها الرائعة أبدًا. ولم يتمكن المزارعون من فهم السبب حتى بعد قرون من الزمان، عندما أفاد عالم البستنة البلجيكي تشارلز مورين في عام 1836 أن الملقح الطبيعي للفانيليا هو نحلة ميليبونا، وهي حشرة لا تعيش في أوروبا.
وبعد 5 سنوات، تغير كل شيء على جزيرة ريونيون، وهي بقعة بركانية يبلغ طولها 39 ميلاً في المحيط الهندي. في عام 1841، طور صبي مستعبد في الجزيرة يُدعى إدموند ألبيوس طريقة التلقيح اليدوي الشاقة والفعالة للفانيليا والتي لا تزال مستخدمة حتى اليوم، وتعمل على تعريض وتزاوج أجزاء الزهرة الذكرية والأنثوية.
وانتشرت تقنيته من ريونيون إلى مدغشقر والجزر المجاورة الأخرى، وفي نهاية المطاف شقت طريقها إلى المكسيك كوسيلة لزيادة حصاد الفانيليا التي يجري تلقيحها بواسطة النحل.