المبيدات الزراعية المسببة للسرطان تحميها وكالة رسميةعامل يرش مبيدات في أرض زراعية - الصورة من إنفيرومينتال

غذاء ومناخ

اتهم باحثون وعلماء وكالة حماية البيئة الأميركية بتضليل المزارعين حول حقيقة المبيدات الزراعية المسببة للسرطان، والتي تحتوي على مواد خطرة ربطوها بهذا المرض الذي لا وجود لعلاج لمعظم أنواعه حتى الآن.

وتحتوي تلك المبيدات الزراعية المسببة للسرطان على  1,3- ثنائي كلورو البروبين، وهي مادة مُعقمة تُباع تحت اسم “تيلون”  Telone ، يستعملها المزارعون لقتل الديدان الخيطية والكائنات الحية الأخرى التي تعيش في التربة قبل الزراعة.

وربطت العديد من الدراسات بين المبيدات التي تحتوي على 1,3- ثنائي كلورو البروبين أو أي منتج يحتوي على هذه المادة الكيميائية والسرطان، وقد تأكدت هذه العلاقة من خلال العديد من الأحداث الواقعية، وفقًا لتقرير اطلعت عليه منصة “غذاء ومناخ“.

نقل مادة المبيدات الزراعية المسببة للسرطان

على سبيل المثال، في صباح ربيعي في جنوب كاليفورنيا عام 1973، انحرف سائق شاحنة صهريج عن مساره وألقى مادة التعقيم تلك، المستعملة في صناعة المبيدات الزراعية المسببة للسرطان، كما يعتقد العلماء، التي كان ينقلها في أحد شوارع المدينة. أمضى فريق الاستجابة للطوارئ التابع لإدارة الإطفاء في لوس أنجلوس 4 ساعات في تنظيف المادة الكيميائية، 1,3.

وبعد 7 سنوات من الحادث، أُصيب اثنان من المستجيبين للطوارئ بسرطان الدم النادر العدواني – الليمفوما الهستيوسيتية – وتوفيا خلال شهرين.

وفي عام 1975، شُخصت إصابة مزارع تعرض عن طريق الخطأ لمادة 1,3-D مرارًا من خلال خرطوم مكسور بسرطان دم آخر، وتوفي في العام التالي.

وبعد عقد من وفاة الرجلين، وعقب دراسات وُصفت بأنها دراسات حالة، أفاد برنامج السموم الوطني،  بـ “دليل واضح” على أن مادة 1,3-D تسبب السرطان في كل من الفئران والجرذان، وفقًا لـ “انسايد كليمت نيوز“.

وأشارت وكالة حماية البيئة الأمريكية إلى تصنيف المادة الكيميائية على أنها “من المرجح أن تكون مسببة للسرطان للبشر” في العام نفسه وهو 1985. لذلك لم يكن مفاجئًا عندما أفاد باحثون في جامعة كاليفورنيا، لوس أنجلوس في عام 2003 بأن سكان كاليفورنيا الذين عاشوا لمدة عقدين على الأقل في المناطق ذات أعلى تطبيقات تستعمل المبيدات الزراعية المسببة للسرطان، لاحتوائها على المادة 1,3-D يواجهون خطرًا متزايدًا للوفاة من سرطان البنكرياس.

ومع ذلك، خلصت لجنة مراجعة تقييم السرطان التابعة لمكتب برامج المبيدات الحشرية التابع لوكالة حماية البيئة “كارك”، في عام 2019 إلى أن 1,3-D – الذي تبنته شركات التبغ في الأصل لقدرته التي لا مثيل لها على قتل أي شيء في التربة قد يضر بنباتاتها – من غير المرجح أن يسبب السرطان على الإطلاق.

وبذلك، رفضت وكالة حماية البيئة، التي تتمثل مهمتها في حماية صحة الإنسان والبيئة، الأدلة البشرية، ووصفت دراسة جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس بأنها “رديئة الجودة”. كما رفضت الدراسة الرسمية لبرنامج السموم الوطني والدراسات التي أُجريت على الحيوانات المعملية والتي وثقت قدرة 1,3-D على إتلاف الحمض النووي، وهي السمة المميزة للسرطان.

واعتمدت وكالة حماية البيئة في تقييماتها على على الدراسات التي قدمتها شركة “داوأغروساينسز” التي تسمى الآن “كورتيفا”، وهي المنتجة الأساسية لـ 1,3-D، واقترحت مراجعة الأدلة التي تربط المبيد بالسرطان من قبل”إس سيبينيون”،  وهي شركة استشارية استأجرتها “داو”، كمراجعة خارجية لعملها.

وأثار قرار تكليف المراجعة الخارجية لمقاول “داو”  انتقادات متكررة، بما في ذلك من هيئة الرقابة التابعة للوكالة.

وفي عام 2021، بعد عامين من خفض “كارك” التابع لوكالة حماية البيئة لحالة 1-3-D المتعلقة بالسرطان، قال برنامج علم السموم الوطني – الذراع البحثي البارز لعلم السموم في البلاد – مرة أخرى إن المادة الكيميائية “من المتوقع بشكل معقول أن تكون مادة مسرطنة للإنسان”.

الوكالة تحت سيطرة الصناعة

“نحن قلقون للغاية من أن مكتب المبيدات الحشرية التابع لوكالة حماية البيئة يقع تحت سيطرة الصناعة، وأن علمه غير جدير بالثقة وأن موظفيه من المفترض أن يقدموا خدماتهم لحماية الصحة العامة بدلًا من تقديم الخدمات للصناعة”، هذا ما قاله وايتهاوس، محامي إنفاذ القانون السابق في وكالة حماية البيئة.

وتصنيف وكالة حماية البيئة مادة ما على أنها “من المرجح أن تكون مسببة للسرطان للبشر” يأتي بناءً على معايير متعددة، بما في ذلك الأدلة على تأثيرات السرطان في التجارب على الحيوانات في “أكثر من نوع أو جنس أو سلالة أو موقع أو طريق تعرض، مع أو بدون دليل على التسبب في السرطان لدى البشر”.

وأقرت وكالة حماية البيئة بأن 1,3-D تسبب في أورام الكبد لدى الفئران، لكنها رفضت أورام الرئة لدى الفئران بقبول نظرية داو التي تقول إنه إذا حدثت الأورام بجرعة أعلى من الجرعة التي يحددها نموذج الكمبيوتر، فإنها لا تكون ذات صلة بالبشر.

وشارك هايز من شركة “إس سيبنيون” في تأليف ورقة بحثية مع علماء داو للترويج للنهج لتقييم مخاطر الكيماويات الزراعية في عام 2016. هذا النهج غير مقبول من قبل المجتمع العلمي الأوسع، وقال باحثون مستقلون إنه لا وجود أساس علمي لوكالة حماية البيئة للاعتماد عليه لتجاهل الأدلة على أن 1,3-D يسبب أورام الرئة لدى الفئران.

واستعمل المزارعون أكثر من 60 مليون رطل من 1,3-D على الحقول في عام 2018، وفقًا لأحدث البيانات.

وبعد قرار، التي خفض فيها تصنيف 1,3-D فيما يتعلق بالتسبب في السرطان، أقرت لجنة تقييم المواد الكيميائية التابعة لوكالة حماية البيئة، وسمحت بزيادة 90 ضعفًا في مستوى التعرض الذي كان يُعد سابقًا “خطرًا غير معقول”.

وسيؤدي هذا القرار إلى تعريض المجتمعات الزراعية والعاملين في المزارع، الذين يعيشون ويعملون بالفعل جنبًا إلى جنب مع أعلى استعمال لـ 1,3-D والمبيدات الحشرية الخطيرة الأخرى، لمستويات أعلى من مبيد حشري أظهر باحثون مستقلون أنه يلحق الضرر بالحمض النووي في الخلايا والحيوانات المعملية، ويرتبط بالسرطان ومشكلات الجهاز التنفسي، بما في ذلك الربو، لدى البشر. ووجد الباحثون أنه حتى الارتفاعات الطفيفة المؤقتة في تركيزات 1,3-D تزيد من الحاجة إلى علاج الربو الطارئ.