مطاعم من المزرعة للمائدة تشهد تطورًا في أميركا مطاعم من المزرعة للمائدة تعتمد على منتجات تحافظ على البيئة - الصورة من غرين ماتر

غذاء ومناخ

لم تُعد جملة “من المزرعة للمائدة” مجرد شعار للمطاعم التي تقدم للمستهلكين طعامًا جرى إنتاج كل مكوناته دون الإضرار بالبيئة، أو ما يمكن تسميتها الأطعمة المناخية، بل تحول في بعضها إلى مصدر للثقافة عن التنوع البيولوجي والأطعمة التقليدية المقاومة للمناخ، من خلال القصص التي يرويها أصحابها للزبائن والتي تشرح الجذور التاريخية لمكونات الوجبات وعلاقتها بالمكان والجغرافيا.

ووفق تقرير اطلعت عليه منصة “غذاء ومناخ“، تبنت بعض المطاعم التي تهتم بالمناخ نهجًا للتفكير بعمق في أصول الطعام الذي تقدمه في الولايات المتحدة.

ففي كارمو، وهو مطعم استوائي ومساحة ثقافية في نيو أورلينز، كان بناء المعرفة والعلاقات اللازمة للتوريد الأخلاقي والمتجدد مشروعًا مدى الحياة لمالكي المطعم والطهاة، دانا وكريستينا دو كارمو هون.

لقد أقامتا علاقات مع صيادي الروبيان في ساحل الخليج والقبائل الأصلية في الأمازون لدعم أنظمة الغذاء التقليدية والبيئية. كما تمنح هذه العلاقات كل مكون قصة متعددة الطبقات متجذرة في الثقافة والمكان والجغرافيا.

تطوير من المزرعة للمائدة

قالت دانا هون: “نحن هنا من أجل العلاقات”. “كانت فكرة من المزرعة للمائدة مهمة للغاية دائمًا، ولكن ما أدركته هو أننا نحاول أن ننقل الفكرة لمن الأصل إلى المائدة.. نحن نحاول أن نروي قصة أصل طعامنا”، وفقًا لـ “سيفيل إيتس“.

و”يمكن للطهاة أن يكونوا جزءًا من الفصل التالي من هذه القصة، ليس فقط من خلال سرد تاريخ الطعام، ولكن -أيضًا- من خلال المساعدة في بناء سوق مستدام”، أضافت هون.

وكان هذا جزء من الإلهام وراء مشروع “هون أوريغينز أمازونيا”، والذي جاء نتيجة لعلاقة استمرت عقودًا من الزمان؛ تشكلت مع مجتمعات “جورونا” الأصلية في ولاية بارا في البرازيل، التي قلب سد ضخم دُشن بها، سبل عيشها وأنظمة الغذاء التقليدية رأسًا على عقب.

ويعد المشروع جهدًا طموحًا ومتعدد الأبعاد لرواية قصة التدمير العنيف للتنوع البيولوجي والأراضي الأصلية، مع المساعدة -أيضًا- في دعم سوق الأطعمة التقليدية لجورونا مثل الكسافا، ما يسمح للمجتمعات بزراعتها مرة أخرى.

ومن خلال التركيز على أغنى مصدر للتنوع البيولوجي في العالم – وهو المصدر الذي يؤثر على الكوكب بأكمله، حيث أدى إزالة الغابات إلى القضاء على ما لا يقل عن 20% من الغابات المطيرة، تأمل هون في مساعدة عملائهم على فهم المنتجات التي تواجه مخاطر كبيرة هناك، وبالتالي في كل مكان.

وقالت هون عن مجتمعات جورونا: “إذا كان هناك المزيد من الأشخاص المنخرطين في إنتاج أطعمة الأجداد، فإنهم يبدأون في استهلاك هذه الأطعمة مرة أخرى”. كما أن العديد من نباتاتهم التقليدية، مثل المانيوك، تتكيف بشكل كبير مع البيئة والمناخ، حيث يجري زراعتها منذ آلاف السنين.

هدر الأسماك

طورت هون نهجًا مماثلًا لدعم سوق أكثر استدامة لصناعة صيد الأسماك المتقلصة في لويزيانا، والتي كانت تتآكل لعقود من الزمن.

وتكافح الصناعة المحلية للتنافس مع المأكولات البحرية المستوردة الرخيصة، والتي تمثل حاليًا غالبية المأكولات البحرية المباعة في الولايات المتحدة.

ويجد العديد من الطهاة في نيو أورليانز أنه من الأسهل الاعتماد على المأكولات البحرية المستوردة الأرخص، والمتاحة بسهولة من خلال موزعي المطاعم الرئيسين مثل “ريستروانت دبوت” و “سيسكو” الذين يستوردون من جميع أنحاء العالم. ومع ذلك، فإن الاعتماد على المأكولات البحرية المستوردة – على حساب المأكولات البحرية المحلية – يمكن أن يأتي بعواقب وخيمة.

والأسوأ من ذلك هو الهدر الضخم للأسماك، ووفق هون: “طهاة المأكولات البحرية، يقومون فقط بقطع شرائح اللحم وإلقاء الباقي في سلة المهملات. لديك الياقات والخدين والزعانف الصدرية والأضلاع وكل شيء آخر يمكن طهيه حرفيًا ووضعه على طبق”.

كما أن هناك انتهاكات أخرى ترتبط بمطاعم الأسماك. على سبيل المثال، ترتبط مزارع الروبيان في بلدان أخرى بشكل روتيني بانتهاكات العمالة وتدمير أشجار القرم (المانغروف) – وهو نظام بيئي ساحلي بالغ الأهمية للتكيف مع تغير المناخ من خلال بناء تربة غنية بالكربون والتخفيف من ارتفاع مستوى سطح البحر.

ولمعالجة هذه المشكلة، عملت هون مع مجموعة من الطهاة والصيادين وغيرهم من الخبراء لإعادة بناء اقتصاد المأكولات البحرية في لويزيانا، بما في ذلك الروبيان، من خلال تطوير سلسلة توريد محلية أكثر استدامة.

وهم يطورون برنامجًا يسمى “فول كاتش”، وهو عبارة عن مجموعة من البروتوكولات لحصاد ونقل وتوزيع الأسماك من خليج المكسيك، بما في ذلك الحد من هدر الطعام عن طريق بيع وتسويق الأسماك بالكامل.

ومن بين التحديات التي يفرضها هذا النهج المستدام في التوريد أنه قد يكون غير متوقع، دون ضمان للمكونات على مدار العام.

ولا يزرع العديد من المزارعين كمية ثابتة من كل محصول كل عام؛ بل إنهم يجربون ويبتكرون خططًا مختلفة للمحاصيل، وأصناف المحاصيل المزروعة، وطرق بناء صحة التربة وتقليل استعمال الأسمدة، ومتغيرات أخرى.