التربة العصّية على البذور في بورندي كانت تضعف محصول الفاصوليانباتات الفاصوليا - الصورة من براتينيكا

غذاء ومناخ

تحولت الأرض ذات التربة العصّية على البذور في بورندي إلى مصدر للخير والرزق الوفير، بعدما كانت تبتلع معظم التقاوي، ولا تجود إلا بالقليل.

وتروي المزارعة جاكلين هاكيزيمانا، حكايتها مع التربة العصّية على البذور على التلال المتموجة في مقاطعة غيتغا ببوروندي لسنوات، حيث كانت البذور تفنى في التربة، وأصبحت الأرض الآن خضراء ومخططة بصفوف من الذرة والفاصوليا. وتبزغ منها المحاصيل باستقامة من التربة.

الزراعة بالنسبة لهاكيزيمانا كانت أسلوب حياة لأكثر من 30 عامًا، حيث ورثت هذه المهنة عن أسرتها التي كانت تزرع أرضًا على تلة كيريميرا القريبة. ورغم خبرتها، إلا أنّ النتائج التي حققتها لم تكن مثالية على الإطلاق، وفق تقرير طالعته منصة “غذاء ومناخ“.

ولم تكن تملك من البذور سوى تلك المنخفضة الجودة ولم تعلم إلّا القليل عن الطرق الفعّالة لتخصيب التربة. وتستذكر قائلة: “أتذكر أني زرعت 100 كيلوغرام من الفاصوليا على هكتارين من الأراضي، لكني لم أحصد سوى 90 كيلوغرامًا”، مشيرةً إلى أنّ المحصول كان أقل مما زرعت.

وكانت هاكيزيمانا تستعمل تقنيات زراعية بدائية ورثتها عن والديها أو تعلمتها من جيرانها، وظلَّت محاصيلها تخيّب الآمال عامًا بعد عام. وكانت تزرع الفاصوليا والذرة والكسافا والبطاطا الحلوة وفول الحقل، ولكن الإنتاج كان بالكاد يكفي لإطعام أسرتها المؤلفة من زوجها وأطفالها الأربعة.

وتضيف: “كنا نأكل القليل الذي نحصد وكنت أضطرّ إلى شراء الباقي من السوق”. وتقول، وهي تتذكّر كيف كان وضعها ووضع أطفالها في الماضي: “كنت أعتقد أن أطفالي سيضطرون إلى إعالة أنفسهم من أجل البقاء”.

تغير وضع التربة العصّية على البذور

تقول المزارعة جاكلين هاكيزيمانا في بوروندي في أفريقيا، إنها سمعت عن المدارس الحقلية للمزارعين التي توفرها منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو). وهذه المدارس هي عبارة عن برنامج عملي وتطبيقي، يتعلم فيه المزارعون تقنيات محسّنة من خلال العروض الميدانية التوضيحية.

وتشرح هاكيزيمانا: “تعرّفت على المدارس الحقلية للمزارعين من خلال دورة تدريبية قادها أخصائي زراعي في منطقتنا”. ومع أن البدايات الجديدة قد تبدو محفوفة بالمخاطر، كما تقول، إلا أنها لم تشعر بالقلق. “كنت أشعر بالثقة لأني كنت برفقة نساء أخريات من مجتمعي”.

وبفضل المدارس الحقلية للمزارعين، تعرَّفت على العديد من الابتكارات التي ساعدتها على إحداث تغييرات ثورية في أساليبها الزراعية، نجحت من خلالها في ترويض التربة العصّية على البذور. وكان من أهمّ هذه التغييرات تحويل مجموعات المدارس الحقلية للمزارعين إلى تعاونيات، مع التركيز على ربط المزارعين بالأسواق. وبصفتها الآن عضوًا في التعاونية، فإنها لم تتعلم تقنيات أفضل فحسب، بل أصبحت جزءًا من شبكة أوسع ستساعدها على الوصول إلى الأسواق وبيع منتجاتها وزيادة دخلها.

وفي الأيام الأولى من التحاقها بالمدارس الحقلية للمزارعين، تلقّت تدريبًا عمليًّا في إدارة المحاصيل وصون التربة. وتعلّمت أسلوب الزراعة في صفوف واستخدام بذور ذات جودة أفضل وإدارة التربة باستعمال خطوط التحديد وممارسات الحراجة الزراعية التي تحدُّ من ظاهرة التآكل.

وتتذكر قائلة: “في السابق، كنت أستخدم كميات كبيرة من البذور وأحصد القليل. أمَّا الآن، فأبذر كمية قليلة للغاية لقاء لحصاد أكبر مع أني أزرع على الأرض نفسها”.

وحدثت نقطة التحول عندما طبّقت المعارف التي اكتسبتها حديثًا. وتقول: “لقد زرعت 70 كيلوغرامًا من الذرة على هكتارين من الأراضي وحصدت 600 1 كيلوغرام من الحبوب”. وقد مكَّنها هذا النجاح من شراء قطعة أرض تبلغ مساحتها نصف هكتار.

وبفضل الأموال التي جمعتها من بيع المحاصيل التي أنتجتها التعاونية، اشترت وأسرتها بقرتين وخمس مِعاز و6 أرانب من سلالات محسنّة، ما أسهم -أيضًا- في استدامة مزرعتهم من خلال توفير السماد العضوي.

معًا لدحر الفقر

تطورت قدرات جاكلين هاكيزيمانا القيادية. فقد أصبحت الآن رئيسة لجمعية تعاونية تحمل اسم يعني “معًا لدحر الفقر”. وتُدرِّب غيرها من أعضاء التعاونية على التقنيات الزراعية التي أتقنتها، وبات تأثيرها ملموسًا في مجتمعها المحلي. وتقوم جمعيتها التعاونية بزراعة 12 هكتارًا بالمحاصيل المتنوعة وتملك في مخزونها 400 كيلوغرام من الذرة، بالإضافة إلى مدخرات في البنك.

وتعتزم الجمعية من خلال المشروع المقبل بناء مستودع لتخزين غلّتها وإنشاء مطحنة بهدف إضافة قيمة إلى إنتاجها من الذرة. وتقول: “هدفنا الآن هو جمع إنتاج الأسر المحيطة وتخزينه وتجهيزه للسوق”.

ويأتي هذا التحول من الزراعة المعتمدة على الكفاف إلى الزراعة الموجهة نحو السوق نتيجة استراتيجية المنظمة الأوسع نطاقًا التي تهدف إلى ربط صغار المزارعين بالأسواق المحلية والوطنية. وبالنسبة إلى هاكيزيمانا، كان الهدف من المشروع هو إتاحة فرص أكبر من خلال العمل الجماعي. وتوضح: “نمكنا بفضل العمل مع مزارعين آخرين من تبادل الخبرات والتعلّم من الحقول النموذجية وبيع منتجاتنا معًا في الأسواق”.

وفي بوروندي، كان للمرأة دور أساسي في نجاح نموذج التعاونيات،  إذ تشكل النساء 78.3% من أعضاء المدارس الحقلية للمزارعين والتعاونيات في البلاد، ويشغلن 73% من مناصب اتخاذ القرار في اللجان التي تركز على سلاسل القيمة المستدامة.

وأثمرت قيادتهن عن المساعدة على ترميم الأراضي المتدهورة، وإدخال نظم تعاقب المحاصيل الزراعية والزراعة العضوية، وتحسين تغذية الأسر المعيشية. وعلاوة على ذلك، ساهم ما تكسبه النساء في زيادة دخل الأسر المعيشية بنسبة تصل إلى 20%.

ويقول الخبير في سلاسل القيمة لدى (الفاو) في بوروندي، ديدون كاميكا: “كانت المرأة هي القوة الدافعة وراء العديد من هذه التغييرات”.

 ورغم المكاسب المذهلة، لا تزال التحديات قائمة. إذ تظلّ فرص الحصول على قروض والتأخير في الحصول على المعدات والتقلبات في الأسواق الزراعية تشكل تحديات تعيق الطريق نحو تقدم. ولذلك، تعمل المنظمة على إجراء دراسات للأسواق، وتحسين تبادل المعلومات حول الأسعار، وتشجيع إنشاء المشاريع الزراعية لمواجهة هذه التحديات.

ولا تقتصر جهود المنظمة في بوروندي على زيادة الإنتاج الزراعي، بل تهدف -أيضًا- إلى بناء مجتمعات قادرة على مواجهة التحديات الاقتصادية والبيئية. وأصبح المزارعون في مقاطعة غيتغا قادة في حركة إحياء الزراعة في بوروندي. ومع وجود الدعم المناسب، يكون تحقيق التحوّل ممكنًا على الدوام.