غذاء ومناخ
هزت بعض مشروعات زراعة الأرز في الصين الثقة في سوق الكربون الطوعية، مؤخرًا، بعد بيع أرصدة الكربون بنجاح لعدد من شركات النفط والغاز الكبرى مثل شل، على الرغم من أنها لم تستخدم أساليب الإنتاج التي تقلل من انبعاثات الميثان.
وأعلنت “فيرا”، وهي جهة رئيسة معتمدة لإدارة معيار تعويضات انبعاثات الكربون، في أغسطس/آب الماضي، أنها رفضت 37 مشروعًا صينيًا لزراعة الأرز، وسحبت أرصدة الكربون الصادرة لصالحها، بسبب مخاوف تتعلق بالجودة.
وحصلت تلك المشروعات على بعض الأرصدة لتعويض انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري العالمي، من قبل شركات كبرى، مثل شل وشركة النفط الوطنية الصينية، وفقًا لتقرير اطلعت عليه منصة “غذاء ومناخ“.
ويُزرع الأرز في العالم وآسيا، متضمنة الصين، عادة في الحقول المغمورة بالمياه، لذلك تؤدي ظروف التربة اللاهوائية إلى نمو البكتيريا وإصدار غاز الميثان.
وفي عام 2018، أنتجت مشروعات زراعة الأرز في الصين ما يقارب من 9.33 مليون طن من الميثان – أو 39.1% من إجمالي انبعاثات الميثان الزراعية في البلاد، ما يجعلها ثاني أكبر مصدر للغاز، بعد تربية الماشية.
وتهدف مشروعات زراعة الأرز؛ بموجب مخططات ائتمان الكربون إلى معالجة هذه الانبعاثات من خلال تعزيز الصرف المتقطع، والمعروف أيضًا باسم (الترطيب والتجفيف البديل).
مشروعات زراعة الأرز في الصين الـ 37
وافقت شركات التدقيق التي تعتمد عليها (فيرا) على مشروعات زراعة الأرز في الصين الـ 37. وقالت فيرا إنها بدأت مراجعة مراقبة الجودة في نهاية عام 2022، وأعلنت النتائج في أغسطس/آب الماضي، ووفق تعبيرها: “وُجهت في النهاية انتقادات شديدة إلى المراجعين الذين راجعوا طلبات تلك المشروعات”، مشيرة إلى أن المخاوف المحددة بشأن الجودة شملت عدة عناصرن منها دقة الأرقام الأساسية المستخدمة.
ومع ذلك، وعلى مدى العامين الماضيين، رصدت شركة تصنيف ائتمان الكربون(إيكوبتيما) أنماطًا غير عادية في هذه المشروعات أثناء تحليل البيانات الضخمة.
وعند التواصل مع أكثر من 70 سلطة زراعية وغيرها من الإدارات ذات الصلة في الصين، قيل لـ (إيكوبتيما)، أنه لا وجود لمشروعات ائتمان كربون لزراعة الأرز مسجلة لدى فيرا في ولاياتها القضائية. وفي بعض الحالات، لم يتم تفويض أي وكالات لتنفيذ مثل هذه المشروعات.
وبناءً على الردود الحكومية المكتوبة، يبدو أن 19 مشروعًا على الأقل من مشروعات زراعة الأرز في الصين البالغ عددها 37 مشروعًا، التي رفضتها شركة فيرا “وهمية”، وفق موقع “ديالوغ إيرث“.
وبخلاف شركة شل، اشترت شركات مثل “بتروتشاينا” الدولية المحدودة و”أوفو إنرجي” البريطانية، ائتمانات من هذه المشروعات. كما أثار 87 مشروعًا آخر ينتظر شهادة ائتمان الكربون مخاوف مماثلة.
وتشكل هذه المشروعات ما يقارب من 40% من جميع مشروعات زراعة الأرز في الصين التي تسعى للحصول على شهادة فيرا. وتمتد هذه المشروعات على 13 مقاطعة وبلدية، حيث تجاوزت تخفيضات الانبعاثات السنوية المزعومة 57 ألف طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون لكل مشروع.
ونماذج من أصحاب هذه المشروعات؛ 3 مزارعين في مقاطعة آنهوي الشرقية، إذ لم يخيلوا أن حقول الأرز الخاصة بهم ستكون مرتبطة ببعض أكبر شركات الطاقة في العالم. على سبيل المثال، استخدمت شركة شل أرصدة الكربون من حقولهم لتعويض انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري من “23 شحنة من الغاز الطبيعي المسال بين 1 يناير/كانون الثاني 2022 و31 ديسمبر/كانون الأول 2023”. وقد مكن هذا شركة شل من تصنيف الشحنات على أنها “محايدة للكربون”.
وتزعم الوثائق أن الترطيب والتجفيف البديلين كانا يستخدمان للحد من الانبعاثات. لكن المزارعين أخبروا “ديالوغ إيرث” أنه لم يتحدث معهم أحد عن طرق بديلة لخفض الانبعاثات، ولم يسمعوا عن تجارة الكربون. ومن بين الثلاثة، حاول مزارع واحد فقط (من مدينة تونغتشنغ) استخدام الصرف المتقطع، وفي منطقة صغيرة فقط مع الاستمرار في استخدام الأساليب التقليدية في أماكن أخرى.
ومن بين المشكلات الأخرى أن أغلب الأراضي الزراعية الصينية (وخاصة في الجنوب) يديرها كبار السن، وذلك لأن أفراد المجتمع الأصغر سناً وجدوا عملاً في المدن. وبالنسبة لهم، تبدو فكرة الحد من الانبعاثات بعيدة كل البعد عن الحياة اليومية.
أقل من 16%
في أوائل عام 2023، نشرت 3 مؤسسات إخبارية، بما في ذلك صحيفة الغارديان البريطانية، نتائج تحقيق استمر 9 أشهر، أشارت فيه إلى المبالغة في 90% من تعويضات الكربون في الغابات المطيرة بموجب ائتمانات الكربون من فيرا.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2024، وجدت دراسة؛ استطلعت أكثر من 2300 مشروعًا للتخفيف من الكربون في جميع أنحاء العالم أن أقل من 16% من أرصدة الكربون المرتبطة تمثل تخفيضات فعلية للانبعاثات.
وشملت أنواع المشروعات هذه مواقد طهي أكثر نظافة، وتدمير غاز سداسي فلوريد الصوديوم المسبب للاحتباس الحراري العالمي، والحد من غاز آخر، وهو الهيدروفلوروكربون 23. وغطت الدراسة التجميعية أرصدة كربون تعادل ما يقارب من مليار طن من ثاني أكسيد الكربون، والتي يزعم المشاركون في إجرائها؛ أنها تمثل ما يقارب من خُمس جميع أرصدة الكربون الصادرة عالميًا حتى الآن.
ويشير باحثو الدراسة إلى أن جودة أرصدة الكربون تتحدد من خلال قوة المعايير المستخدمة، والتنفيذ الصارم لتلك المعايير أثناء تنفيذ المشروع، وقوة الرقابة من قبل المدققين وآلية أرصدة الكربون. وفي ظل النموذج الحالي، فإن إحدى المشكلات المحتملة هي أن أصحاب المشروعات يختارون المدققين ويدفعون لهم. وقد يؤدي هذا إلى دفع المدققين إلى اتباع نهج أكثر مرونة للحصول على العملاء.
وبعد تحديد المشكلات في مشروعات زراعة الأرز، عزت شركة فيرا جزءًا من هذه الأخطاء إلى عيوب في منهجية الحد من انبعاثات الميثان التي كانت تستخدمها. وتُعرف هذه المنهجية باسم (إيه إم إس-111.إيه يو)، وهي جزء من منهجية آليات التنمية النظيفة لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ.
وفي مارس/آذار 2023، علقت شركة فيرا جميع مشروعات التطوير بموجب هذه المنهجية، وبدأت في تطوير منهجية جديدة. كما أصدرت فيرا تعليمات لأربعة من هيئات الرقابة البيئية المتورطة بإعداد خطط عمل تصحيحية.
ونتيجة لإلغاء المنهجية، جُمدت طلبات أكثر من 200 مشروع آخر لزراعة الأرز الصيني، والتي كانت جميعها قيد المعالجة للحصول على شهادة فيرا.
وقال متحدث باسم فيرا إن هيئات “في في بي” الأربع فشلت في تلبية مستويات الاستقلال والدقة المطلوبة: “كان هذا الوضع غير المسبوق خطيرًا بما يكفي لتبرير العقوبات التي قد تؤدي إلى تعليق موافقة فيرا على استمرار الهيئات في تدقيق مشروعاتها”.