غذاء ومناخ
يتطلب تغير المناخ ونمو سكان العالم ليس فقط إنتاج غذاء يكفي إطعام الناس، بل أيضًا توفير العناصر الغذائية التي يحتاجون إليها، لعلاج ظاهرة تسمى الجوع الخفي.
ومع توقع وصول عدد سكان العالم إلى 9.9 مليار نسمة بحلول عام 2050، فلابد وأن يزيد إنتاج الغذاء -أيضًا- بنسبة 60% لتلبية احتياجات هذا العدد المتزايد من السكان، وهو ما يضيف ضغوطاً هائلة على الأنظمة الزراعية المجهدة بالفعل.
وفي الوقت نفسه، يعمل تغير المناخ على تعطيل الممارسات الزراعية التقليدية بشكل خطير، حيث تتسبب موجات الجفاف والفيضانات وأنماط الطقس المتغيرة في إحداث دمار في الإنتاجية الزراعية. وإضافة إلى ذلك، فإن استنزاف الموارد الحيوية ــ مثل الأراضي الصالحة للزراعة والمياه ــ يجعل من الصعب للغاية الحفاظ على إنتاج الغذاء بالمستويات المطلوبة، وفقاً لمقال اطلعت عليه منصة “غذاء ومناخ“.
ماهو الجوع الخفي؟
للتعامل مع معادلة إنتاج غذاء بكميات تكفي إطعام الناس وتوفير العناصر الغذائية التي يحتاجون إليها، لابد من إرساء أسس الأمن الغذائي في تربة صحية.
“فإننا نتجاوز مفهوم (الاكتفاء الذاتي) في إنتاج غذاء بكميات كافية، بل إن الهدف الآن لابد أن يكون الاكتفاء الغذائي، بمعنى ضمان أن ما يُزرع لا يطعم السكان فحسب، بل ويغذيهم أيضا. وهذا التحول ضروري لمكافحة سوء التغذية ودعم نظام غذائي مستدام وقادر على الصمود وقادر على تلبية احتياجات الأجيال القادمة، وفقا لمقال “إي تي إيدج إنسايت“.
وأحد التحديات الأكثر إلحاحًا هو سوء التغذية، وخاصة “الجوع الخفي” الناجم عن نقص المغذيات الدقيقة في إمدادات الغذاء. ويرجع هذا غالباً إلى ضعف التنوع الغذائي والتربة التي تعاني من نقص متزايد في العناصر الغذائية الأساسية. ومع كفاح النظام الغذائي العالمي لمواكبة الطلب، أصبحت الجودة الغذائية للغذاء بالغة الأهمية بقدر أهمية الكمية المنتجة، مما يمثل تحدياً معقداً.
لكن كيف يمكننا إطعام مليارات البشر بشكل مستدام مع معالجة العبء الثلاثي لسوء التغذية – نقص التغذية، والإفراط في التغذية، ونقص المغذيات الدقيقة – على خلفية تغير المناخ وتناقص الموارد الطبيعية؟ في الحقيقة، لا يتعلق الأمر فقط بزيادة الإنتاجية؛ بل يتعلق أيضاً بضمان أن ما ننتجه مغذي ومستدام للأجيال القادمة.
والانتقال من مكاسب الإنتاجية التي حققتها الثورة الخضراء إلى “ثورة المغذيات” الجديدة يسلط الضوء على الحاجة إلى محاصيل غنية بالمغذيات ومتنوعة. وتوسيع سلة الغذاء الحالية من الحبوب الخالصة إلى الدخن التقليدي والمحاصيل المعززة بالمغذيات الزراعية والمحاصيل المدعمة بيولوجيًا يوفر نهجًا مستدامًا لمكافحة الجوع الخفي مع ضمان الاستدامة الزراعية على المدى الطويل.

وعلى مستوى العالم، تعالج المنظمات المسؤولة تحديات الأمن الغذائي وسوء التغذية والاستدامة البيئية من خلال حلول مبتكرة. ويؤثر سوء التغذية، وخاصة في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وآسيا، على ملايين الأشخاص، حيث يعاني الأطفال من التقزم والهزال ونقص المغذيات الدقيقة.
ولمعالجة هذه القضايا، تركز المبادرات التعاونية مثل برنامج “نورتي فارم” التابع لشركة “يارا إنديا وهارفست بلس سلوشن”، على تحسين جودة الغذاء من خلال إثراء المحاصيل الأساسية مثل القمح والأرز بالمغذيات الدقيقة الأساسية.
القدرة على الصمود في مواجهة الضغوط البيئية
يركز مشروع تجريبي يضم أكثر من 400 مزارع في ولاية أوتار براديش الهندية على زراعة القمح المدعم بالزنك، بهدف تعزيز تغذية المحاصيل وزيادة الغلة وتعزيز القدرة على الصمود في مواجهة الضغوط البيئية. ومن خلال دعم المزارعين من أصحاب الحيازات الصغيرة بالتدريب والموارد، تسهم هذه الجهود في تحسين الأمن الغذائي ودخل المزارعين.
ولمعالجة الأسباب الجذرية للجوع وسوء التغذية، ظهرت العديد من التدخلات العملية التي تستهدف إنتاج الغذاء والتوعية. ويشكل النهج المتعدد الأوجه ضرورة أساسية لمعالجة قضايا تغير المناخ ونقص المغذيات والممارسات الزراعية المستدامة معًا.
وتثقيف الجمهور حول الفوائد الصحية للمحاصيل المتنوعة والمعززة غذائيًا والخيارات الغنية بالمغذيات مثل الدخن، يشكل مفتاحًا لمكافحة سوء التغذية. ويمكن للحملات التعاونية أن تسلط الضوء على الارتباط الحاسم بين الزراعة والصحة العامة، مع التأكيد على أهمية استهلاك محاصيل أكثر تنوعًا وتغذية لتحسين النتائج الصحية العامة.
وإضافة إلى الأسمدة التقليدية، أثبتت التطبيقات الورقية، التي توصل العناصر الغذائية مباشرة إلى المحاصيل، أنها تعمل على تعزيز محتوى المغذيات الدقيقة في النباتات. وقد لوحظ أن منتجات الأسمدة المبتكرة عززت إنتاجية المحاصيل وكفاءة المياه، ما يجعلها أدوات حيوية في مكافحة الجوع، وخاصة في المناطق التي تواجه ندرة المياه. وفي المناطق التي تكون فيها المياه محدودة، أثبت استخدام الأسمدة القابلة للذوبان في الماء فعاليته في تحسين امتصاص العناصر الغذائية. تساعد هذه الأسمدة النباتات على النمو في البيئات التي تعاني من ندرة المياه، مما يسهم في الاستدامة والأمن الغذائي.
ويتم استكشاف التكنولوجيات الناشئة، مثل استخدام الذكاء الاصطناعي في الزراعة، لتحسين إنتاج الغذاء. ومن خلال تعزيز إدارة الموارد، يمكن لهذه التقنيات التخفيف من تأثير تغير المناخ على الزراعة، وضمان غلات أعلى مع حماية البيئة.
ومع ذلك، لا يكمن التحدي في زيادة الإنتاج فحسب، بل وأيضًا في زيادة وعي المستهلك بالفوائد الصحية لهذه المحاصيل.

ويواجه النظام الغذائي العالمي العديد من التحديات الملحة، بما في ذلك كيفية تنويع سلة الغذاء، وتعزيز المحاصيل المغذية، واستدامة إنتاج الغذاء على الرغم من الاضطرابات المرتبطة بالمناخ. ومن خلال العمل معًا، يمكن للحكومات والشركات الخاصة سد هذه الفجوة، وضمان زراعة المحاصيل المغذية والترويج لها وإتاحتها للسكان الذين هم في أمس الحاجة إليها.