حصة الزراعة في دولار الغذاء تتراجع لصالح الأغذية المعالجةحصة الزراعة في دولار الغذاء (سعر الغذاء) تهبط - الصورة من فارم فولد نيتراشن

غذاء ومناخ

يحصل المزارعون بشكل متزايد على حصة أصغر من إنفاق المستهلك، وهو مقياس يُعرف باسم (حصة الزراعة في دولار الغذاء)، وفقًا لتقرير اطلعت عليه منصة “غذاء ومناخ“.

وقال العالم في معهد “بيك”، والباحث الرئيس للدراسة المنشورة في مجلة “نيتشر فود”، ديفيد منغ-تشوين تشين، إنه في البلدان ذات الدخل المرتفع مثل أميركا أو ألمانيا، يتلقى المزارعون نسبة تقل عن ربع الإنفاق على الغذاء، مقارنة بأكثر من 70% في بلدان مثل منطقة أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، حيث تشكل تكاليف الزراعة جزءًا أكبر من أسعار الغذاء.

ويتوقع الباحثون أنه مع تطور الاقتصادات وتصنيع أنظمة الغذاء، يستهلك الناس المزيد من المنتجات الحيوانية والأطعمة المصنعة للغاية والطعام خارج المنزل  (إف إيه إف إتش).

وتصبح أنظمة الغذاء أكثر تعقيدًا، حيث تستحوذ قطاعات معالجة الأغذية وخدمة الأغذية على جزء كبير من إنفاق المستهلكين على الغذاء؛ ما ينجم عنه انخفاض حصة المنتج الزراعي في الإنفاق النهائي على الغذاء (حصة الزراعة من دولار الغذاء أو حصة المزرعة).

وعلى سبيل المثال، انخفضت حصة المزرعة من الدولار الذي يُنفق على الغذاء في الولايات المتحدة بشكل مطرد، حيث كانت تمثل 50% في الخمسينيات من القرن الماضي، ونزلت إلى أقل من 20% في عام 2017.

حصة الزراعة في دولار الغذاء في الدول الغنية

قال عالم معهد “بيك”،  ومؤلف الدراسة، بنيامين بوديرسكي،: “في الدول الغنية، نشتري بشكل متزايد المنتجات المصنعة مثل الخبز والجبن والحلوى حيث تشكل المكونات الخام جزءًا صغيرًا فقط من التكلفة”.

ويعني ذلك إنفاق معظم سعر السلعة الغذائية على المعالجة والتجزئة والتسويق والنقل. وهذا يعني -أيضًا- أن المستهلكين محميون إلى حد كبير من زيادة تكاليف الزراعة الناجمة عن تطبيق سياسات جماية المناخ؛ مثل: الضرائب على التلوث أو القيود المفروضة على توسيع الأراضي. كما يؤكد على مدى ضآلة ما يكسبه المزارعون، وفقًا لـ “أوراسيا ريفيو”.

وفي السياق ذاته، كشفت بيانات دائرة البحوث الاقتصادية  التابعة لوزارة الزراعة الأميركية، أن المنشآت الزراعية في الولايات المتحدة؛ تلقت 15.9 سنتًا لكل دولار أنفقه المستهلك على الغذاء المنتج محليًا في عام 2023، كتعويض عن إنتاج السلع الزراعية.

وهذا المبلغ، الذي يُطلق عليه حصة الزراعة من دولار الغذاء، هو انخفاض بمقدار 0.1 سنت عن حصة عام 2022، والتي تم تعديلها إلى 16.0 سنتًا من 14.9 سنتًا.

وتغطي حصة الزراعة نفقات التشغيل، إضافة إلى تكاليف المدخلات من المنشآت غير الزراعية. ويغطي الجزء المتبقي من دولار الغذاء – المعروف بحصة التسويق – تكاليف ما بعد المزرعة مثل نقل ومعالجة وبيع الغذاء للمستهلكين.

وقام فريق الدراسة التي كشفت عن مواصلة تراجع حصة الزراعة في دولار الغذاء، للوصول إلى هذه الاستنتاجات، بالجمع بين النمذجة الإحصائية والنمذجة القائمة على العمليات لتقييم مكونات أسعار الغذاء عبر 136 دولة، و11 مجموعة غذائية. ودرسوا أسعار الغذاء للمستهلك في المنزل وخارجه.

تناول الطعام في المطاعم من أسباب تراجع حصة الزراعة في دولار الغذاء – الصورة من فوندينغ فارم

وبتحليل سلسلة القيمة الغذائية بأكملها، يقدم الباحثون -أيضًا- رؤى جديدة حول كيفية تأثير سياسات التخفيف من غازات الاحتباس الحراري على المستهلكين: “غالبًا ما تثير سياسات المناخ الرامية إلى الحد من الانبعاثات في الزراعة مخاوف بشأن ارتفاع أسعار المواد الغذائية، وخاصة بالنسبة للمستهلكين. ويُظهر تحليلنا أن سلاسل التوريد الطويلة لأنظمة الغذاء الحديثة تحمي أسعار المستهلك من الزيادات الجذرية، وخاصة في البلدان الأكثر ثراءً”، وفق مؤلف الدراسة.

سياسات المناخ وأسعار الغذاء

يقول عالم معهد “بيك”،  ومؤلف الدراسة، بنيامين بوديرسكي: “حتى في ظل سياسات المناخ الطموحة للغاية مع تسعير قوي لغازات الاحتباس الحراري على الأنشطة الزراعية، فإن التأثير على أسعار المستهلك بحلول عام 2050 سيكون أصغر بكثير في البلدان الأكثر ثراءً”.

وستكون أسعار المواد الغذائية للمستهلكين في البلدان الأكثر ثراءً أعلى بمقدار 1.25 مرة مع سياسات المناخ، حتى لو كانت أسعار المنتجين أعلى بمقدار 2.73 مرة بحلول عام 2050.

وعلى النقيض من ذلك، ستشهد البلدان ذات الدخل المنخفض ارتفاع أسعار المواد الغذائية للمستهلكين بعامل 2.45 في ظل سياسات المناخ الطموحة بحلول عام 2050، في حين سترتفع أسعار المنتجين بعامل 3.3.

وبينما تكون ارتفاعات أسعار المستهلك أقل وضوحًا حتى في البلدان ذات الدخل المنخفض مقارنة بالمزارعين، إلا أنها ستظل تجعل من الصعب على الأشخاص في البلدان ذات الدخل المنخفض تحمل تكاليف الغذاء الكافي والصحي.

وعلى الرغم من تضخم أسعار المواد الغذائية، لا يحتاج المستهلكون الفقراء بالضرورة إلى المعاناة من سياسات التخفيف من آثار المناخ.

وأظهرت دراسة سابقة أجراها معهد بيك أنه إذا تم استخدام العائدات من تسعير الكربون لدعم الأسر ذات الدخل المنخفض، فإن هذه الأسر ستكون في وضع أفضل على الرغم من تضخم أسعار المواد الغذائية، بسبب دخولها الأعلى.

وقال رئيس قسم أبحاث “المرونة المناخية” في معهد بيك ومؤلف الدراسة، هيرمان لوتز كامبن: “قد تكون سياسات المناخ صعبة بالنسبة للمستهلكين والمزارعين ومنتجي الأغذية في الأمد القريب، لكنها ضرورية لحماية الزراعة وأنظمة الأغذية في الأمد البعيد”.

الأغذية المعالجة من أسباب تراجع حصة الزراعة في دولار الغذاء – الصورة من ساج ترافل

وأضاف: “بدون سياسات مناخية طموحة وخفض الانبعاثات، من المرجح أن تؤدي التأثيرات الأكبر بكثير لتغير المناخ المستمر، مثل فشل حصاد المحاصيل وانقطاعات سلسلة التوريد، إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية بشكل أكبر. يجب تصميم سياسات المناخ لتشمل آليات تساعد المنتجين والمستهلكين على الانتقال بسلاسة، مثل تسعير الكربون العادل، والدعم المالي للمناطق والمجموعات السكانية المعرضة للخطر، والاستثمارات في ممارسات الزراعة المستدامة”.