غذاء ومناخ
تقترب المملكة المتحدة من تحول كبير في نظامها الغذائي، إذ من المتوقع أن تدخل الأغذية المعدلة وراثيًا، مثل الفواكه والخضراوات، لتستقر على أرفف المتاجر الكبرى بحلول أواخر عام 2026.
ووافق مجلس اللوردات في 6 مايو/أيار الجاري على اقتراح يسمح بالفواكه والخضراوات المُهجنة والمعدلة وراثيًا بدقة في المملكة المتحدة.
ويضغط أعضاء البرلمان الآن على الحكومة لإقرار تشريع يسمح باللحوم المعدلة وراثيًا، ما قد يحد من خطر إنفلونزا الطيور.
وجاء ذلك بعد إقرار مشروع القانون في مجلس العموم. وتأمل الحكومة أن تتيح هذه الأغذية المعدلة وراثيًا للمستهلكين البريطانيين الاستفادة من طعام صحي ذي تأثير بيئي أقل.
ويأتي هذا التطور عقب إقرار تشريع ثانوي متوقع بموجب قانون التكنولوجيا الوراثية (التربية الدقيقة)، الذي سُنّ عام 2023.
وستسمح اللوائح القادمة بالبيع التجاري للمحاصيل المُهجّنة بدقة، المزروعة في إنجلترا أو المستوردة من الخارج، وفقًا لتقرير اطلعت عليه منصة “غذاء ومناخ“.
وعلى عكس الكائنات المعدلة وراثيًا التقليدية، يتضمن تحرير الجينات تعديلات دقيقة على الحمض النووي الموجود للكائن الحي دون إدخال جينات غريبة.
طماطم بفيتامين د
تُمكّن تقنيات مثل CRISPR-Cas9 العلماء من تعطيل أو تعديل جينات مُحددة، ما يُعزز الصفات المرغوبة مثل مدة الصلاحية، والمحتوى الغذائي، ومقاومة الأمراض.
على سبيل المثال، طورت “تروبيك بيوسينس”، وهي شركة تكنولوجيا حيوية مقرها نورويتش، موزًا لا يُسبّب اللون البني عن طريق تعطيل الجين المسؤول عن إنزيم بوليفينول أوكسيديز المُسبّب للون البني. ويهدف هذا الابتكار إلى تقليل هدر الطعام بشكل كبير من خلال إطالة نضارة الفاكهة.
كما قامت شركة “سيمبلوت” الأميركية بتصميم فراولة ذات صلاحية تخزين ممتدة تصل إلى 3 أسابيع، ما يوفر للمستهلكين نضارة تدوم لمدة أطول.

وطوّر مركز جون إينيس، وهو معهد أبحاث في نورويتش، طماطم باستخدام تقنية التربية الدقيقة مع نسبة عالية من فيتامين د في الثمار والأوراق.
ويمكن أن تشمل المحاصيل الأخرى بنجر السكر المقاوم للفيروسات، والذي قد يساعد في تقليل مبيدات النيونيكوتينويد وخسائر المحاصيل التي كلفت القطاع 67 مليون جنيه إسترليني في عام 2020.
وتَعِد هذه التطورات ليس فقط بتقليل هدر الطعام، ولكن أيضًا بخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري المرتبطة بتلف الطعام.
دعم ابتكارات الأغذية المعدلة وراثيًا
يبدو أن الرأي العام في المملكة المتحدة يدعم ابتكارات الأغذية المعدلة وراثيًا. فقد وجد استطلاع حديث أجرته شركة “بريتيش شوغار”، أن 69% من البالغين في المملكة المتحدة يؤيدون بشدة تعديل الجينات لخلق مستقبل مستدام ومرن للزراعة البريطانية.
والجدير بالذكر أن 80% من المشاركين من الجيل”زد” أعربوا عن دعمهم لهذه التقنية، مشيرين إلى الاستدامة والقدرة على تحمل التكاليف كحوافز رئيسة.
ومع ذلك، فإن إدخال الأغذية المعدلة وراثيًا ليس خاليًا من الجدل. وأعرب المنتقدون عن مخاوفهم إزاء عدم إلزامية وضع الملصقات على هذه المنتجات، مجادلين بحق المستهلكين في معرفة كيفية إنتاج غذائهم.
وبينما تتبنى إنجلترا هذه التقنية، لا تزال اسكتلندا وويلز وأيرلندا الشمالية مترددة، ما قد يؤدي إلى تعقيدات تجارية وتنظيمية داخل المملكة المتحدة.
وعلى الرغم من هذه التحديات، فإن التزام حكومة المملكة المتحدة بتطوير تقنية تعديل الجينات في الزراعة يعكس استراتيجية أوسع نطاقًا لتعزيز الأمن الغذائي، والاستدامة، ووضع البلاد في صدارة الابتكار الزراعي الغذائي.
ومع تقدم التشريع، سيكون من الضروري معالجة المخاوف العامة، وضمان التواصل الشفاف، ووضع أطر تنظيمية قوية للإشراف على تطوير وبيع الأغذية المعدلة وراثيًا.

وقال وزير الأمن الغذائي والشؤون الريفية، دانيال زيشنر، في تصريح لصحيفة الإندبندنت: “تُمثل التربية الدقيقة فرصة حقيقية لتغيير طريقة زراعة المحاصيل هنا في إنجلترا”.
وتابع: “يمكننا تعزيز عملية التربية الطبيعية التي استخدمها مزارعونا لأجيال لإنتاج أطعمة أكثر تغذية، ومحاصيل قادرة على تحمل تغير المناخ، ونباتات مقاومة للأمراض بشكل طبيعي.. هذا ضروري لازدهار مزارعينا وللأمن الغذائي لبلادنا. ولهذا السبب تحديدًا، تُهم هذا التشريع”.
وأضاف: “الأمر لا يتعلق بالعلم المجرد – فالتجارب البحثية تُثمر، من الطماطم الغنية بفيتامين د إلى بنجر السكر الأقل اعتمادًا على المبيدات الحشرية”.
وقال زيشنر: “إنه لأمرٌ مثيرٌ حقًا أن الابتكارات التي كانت تستغرق عقودًا قد وصلت الآن إلى حقولنا، وفي نهاية المطاف إلى أطباقنا، في غضون سنواتٍ قليلة، مُحققةً وعدنا بتحقيق نموٍّ اقتصاديٍّ مستدام”.
وتابع: “هذه ليست مجرد أخبارٍ سارةٍ لمجتمعاتنا الزراعية، بل سيستفيد منها أيضًا قطاعنا العلمي والبحثي المزدهر، ما يضعنا في طليعة التكنولوجيا المتطورة حول العالم”.