غذاء ومناخ
يجري القائمون على مشروع “الاقتصاد الدائري لسلسلة قيمة البلاستيك أحادي الاستخدام” في مصر، عدة تعديلات على حملة التوعية الرئيسة، بعد قرار تأجيل إطلاقها المفترض في شهر فبراير/شباط الماضي. منصة “غذاء ومناخ“، حاورت إثنين من المسؤولين في منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية (اليونيدو)، الداعمة للمشروع، لتوضيح أسباب هذه التعديلات والتأجيل.
قال ممثل اليونيدو – المكتب الإقليمي في مصر، الدكتور باتريك جان جيلابرت: “نحن ندعم هذا المشروع لأن وزارة البيئة طلبت ذلك. في الواقع، هناك اتجاه عالمي لحظر البلاستيك أحادي الاستخدام واستبداله بالبلاستيك متعدد الاستخدام. لذلك تسير مصر في اتجاه للقضاء على البلاستيك أحادي الاستخدام”.
لكن بعد اجتماع بين ممثلي اليونيدو ووزارتي البيئة والصناعة وجميع الأطراف المرتبطة بأعضاء اتحاد الصناعات المصرية، تقرر تعديل الشعار والتاريخ والرسائل الخاصة بحملة التوعية المفترضة.
وكشف الاجتماع عن مخاوف كبيرة بين المصنعين من أن تضر هذه الحملة نشاطهم الصناعي، واقترح عدد كبير منهم تعديل شعار الحملة ليصبح “جمّعها” بدلاً من “بدّلها”.
وقالت منسقة المشروع الوطني، التي حضرت اجتماع مسؤولي المشروع مع اتحاد الصناعات المصرية ممثلة عن (اليونيدو)، إيمان عبد المحسن شعبان، إن مخاوف المصنعين جاءت من عدم وضوح أهداف الحملة ومحتواها، حيث تخيلوا أنها تهدف إلى القضاء على صناعة البلاستيك. “لكننا لا نستهدف القضاء على البلاستيك”.
خطأ الاستهلاك الزائد لمنتجات البلاستيك أحادي الاستخدام
قالت شعبان إن المشروع يستهدف إنتاج بدائل لهذا النوع من البلاستيك أحادي الاستخدام في مصر، وذلك من البلاستيك أيضًا، لكن بمنتجات وتصميمات جديدة أكثر استدامة.
لايمكن لأحد إلغاء صناعة البلاستيك، لأن هناك كثير من المنتجات البلاستيكية التي ليس لها بديل، والبعض الآخر يجب أن يكون أحادي الاستخدام، والمشروع يستهدف إنتاج هذه الأنواع من خامات قابلة للتحلل في البيئة والتحول إلى أسمدة، أو منتجات يمكن جمعها وإعادة تدويرها، وفق شعبان.
ورغم أن المشروع يستهدف كل اجزاء سلسلة القيمة في صناعة البلاستيك، وعلاج الفجوات الموجودة بها، إلا أن الهدف الأساسي هو العمل على البدائل، لذلك ينسق القائمون مع هيئة المواصفات والجودة المصرية في هذا الشأن.
وسلطت اليونيدو الضوء على المشروع خلال الاجتماع مع اتحاد الصناعات، “وبالطبع ستُأخذ مخاوف منتجي البلاستيك ومصالحهم في الاعتبار، لأنه بدون التعاون معهم، قد لا ينجح هذا المشروع.. نحن نود التأكيد على ذلك”، وفق شعبان.
لذلك أرجأت اليونيدو حملة التوعية لمشروع إلغاء البلاستيك أحادي الاستخدام في مصر إلى البلاستيك متعدد الاستخدام، والتي كان من المفترض إطلاقها في شهر فبراير/شباط الماضي، إلى أبريل/نيسان أو مايو/أيار المقبلين.
وقالت شعبان: “نحن نجري تعديلًا الآن على اسم الحملة والرسائل الرئيسة المستهدف إيصالها إلى الجمهور المستهدف”.
وأضافت: “لن نركز على البدائل أو استبدال المنتجات البلاستيكية فقط، ولكن سيكون التركيز الرئيس على خطأ الاستهلاك الزائد لمنتجات البلاستيك أحادي الاستخدام، وعواقب إلقاء تلك المخلفات في الشوارع، وسنذكر البدائل لكن لن تكون الرسالة الرئيسة”.
وأشارت شعبان إلى أن اسم الحملة السابق كان مربكًا نسبيًا، لذلك وصلت رسالة خاطئة إلى المصنعين، “لكني أوضحت ذلك في الاجتماع معهم”.
وأضافت أن الأسم لن يكون “جمّعها”، الذي طلبه عدد من أعضاء اتحاد الصناعات في الاجتماع. وتجري اليونيدو مناقشات حاليًا مع وزارة البيئة في هذا الشأن، مع الأخذ في الاعتبار مصالح المصنعين.
الشرق الأوسط المختلف
رغم أن قلق المصنعين والمنتجين في مصر لمشروع التخلص من البلاستيك أحادي الاستخدام، لا يختلف كثيرًا عن باقي دول العالم، فتجارب دول عديدة تكشف تقارب رد الفعل لمثل هذا التغيير، حتى بين الدول الأكثر تقدمًا، لكن شعبان ترى أن الأمر مختلف بالفعل في دول منطقة الشرق الأوسط.
وأوضحت قائلة: “المسألة مختلفة تمامًا في دولنا مقارنة بدول أخرى، خاصة الاتحاد الأوروبي، لأن منطقتنا لديها استثمارات هائلة في صناعة البتروكيماويات، وننتج خامات إنتاج البلاستيك.. ففي مصر بمفردها نحو 11 ألف مصنع و6-7 شركات، وفق بيانات اتحاد الصناعات”.

وأضافت: “تصدر المصانع لدينا منتجاتها وتستورد منتجات وخامات.. إنها صناعة واستثمارات قوية ووظائف وأرباح ناجمة عن كل مراحل الإنتاج بدءًا بالخامات مرورًا بالمنتجات الوسيطة وصولًا إلى المنتج النهائي”.
وتابعت أن البلاستيك يُستخدم في صناعات عديدة مثل الصناعات الهندسية والأجهزة المنزلية، لكن القلق الرئيس يأتي من البلاستيك أحادي الاستخدام في أنحاء العالم، لأن من الصعب جمعه، ومن السهل رميه في البيئة المحيطة.
وأشارت إلى أن كثير من البلدان تدعم إعادة تدوير البلاستيك، وهو إجراء مهم للغاية لأنه يوفر خامات، “صناعة البتروكيماويات لن تظل موجودة للأبد”.
يُذكر أن صناعة البتروكيماويات تعتمد على النفط، وتشير الدراسات إلى نفاد الثروات النفطية خلال السنوات المقبلة.
حجم البلاستيك أحادي الاستخدام
أُجريت دراسات عديدة لتحديد نسبة البلاستيك أحادي الاستخدام من إجمالي البلاستيك الموجود في البلاد، وفق شعبان، التي أشارت إلى أن الأرقام المتوفرة هي للقطاع الرسمي فقط.
وأوضحت: “لا يمكن إنكار أن القطاع غير الرسمي يضم رقمًا هائلًا من مصانع البلاستيك، كما أن معظم مصانع إعادة التدوير تنتمي إلى القطاع غير الرسمي”.
التخلص من البلاستيك أحادي الاستخدام في مصر، وإحلال متعدد الاستخدام مكانه، له تكلفة سيتحملها المستهلك النهائي، إذ أنه من المقرر أن يدفع مقابل الأكياس التي يحصل عليها مجانًا حاليًاعند شراء السلع والبضائع، ومصر من الدول الهشة اقتصاديًا، وترتفع فيها نسبة الفقر، ما يعني أن هذا المشروع سيجد مقاومة بسبب التكلفة الإضافية.
إلا أن شعبان أكدت أن المشروع يعي هذا الوضع تمامًا. وقالت: “لدينا كثير من الأفكار، وأوصينا بعديد من الإجراءات الممكنة لمدة قصيرة والتي يمكن أن تقدم حوافز للمستهلكين على التغيير”.

وردًا على تساؤل لمنصة “غذاء ومناخ“، حول ما إذا كان الأفضل التركيز على التحول من البلاستيك أحادي الاستخدام في مصر إلى متعدد الاستخدام أم البلاستيك القابل للتحلل والتحول إلى سماد في التربة عند إلقاءه في البيئة، قالت شعبان: “إن متعدد الاستخدام أفضل ويتناسب مع الثقافة المصرية”.
وأوضحت أن تقنيات البلاستيك متعدد الاستخدام سهلة، ويمكن بتعديلات محدودة للماكينات إنتاجها، وتدريب العمال عليها بسهولة. بينما لا تزال هناك الكثير من الأشياء غير المعروفة عن البلاستيك الذي يتحول إلى سماد، “فلا ندري متى يتحلل وما الضررالذي يمثله للبشرية في مدة تحلله على سبيل المثال”.