سد النهضة الإثيوبيسد النهضة الإثيوبي - الصورة من الموقع الإلكتروني للأمم المتحدة

غذاء ومناخ

يؤدي تصاعد التوتر بين مصر وإثيوبيا بشأن سد النهضة الإثيوبي إلى زيادة تعقيد الوضع في البحر الأحمر، من خلال جذب لاعبين آخرين والتأثير بشكل أكبر على التجارة العالمية، وفق خبير استراتيجي.

ويحذر مدير معهد هورن الدولي للدراسات الاستراتيجية الذي يتخذ من العاصمة الكينية (نيروبي) مقرًا له، الدكتور حسن خاننجي، من أن “النزاع حول النيل قد يتطور في الصومال”، وفقًا لتقرير اطلعت عليه منصة “غذاء ومناخ“.

ويعاني البحر الأحمر من توتر منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على غزة قبل 11 شهرًا تقريبًا، بسبب هجمات الحوثيين على ناقلات الدول المؤيدة لتل أبيب، ما أضعف حركة المرور، وأدى إلى خسائر في الدول المطلة عليه، وعلى رأسها مصر، التي تمر بها قناة السويس.

وتصاعدت التوترات هذا الأسبوع مع وصول طائرتين عسكريتين مصريتين من طراز C-130 إلى العاصمة الصومالية مقديشو، ما يشير إلى بداية تنفيذ اتفاق وُقع  في أغسطس/آب الماضي، خلال زيارة رسمية للرئيس الصومالي  حسن شيخ محمود إلى القاهرة.

وتتضمن الخطة انضمام ما يصل إلى 5000 جندي مصري إلى قوة جديدة تابعة للاتحاد الأفريقي في نهاية العام الجاري، مع نشر 5000 آخرين بشكل منفصل.

إثيوبيا والصومال

قالت إثيوبيا، التي كانت حليفًا رئيسًا للصومال في حربها ضد المتشددين المرتبطين بتنظيم القاعدة، والتي دخلت في خلاف مع مصر بشأن سد ضخم (سد النهضة الإثيوبي الكبير)، بنته على نهر النيل، إنها لا تستطيع “الوقوف مكتوفة الأيدي بينما يتخذ ممثلون آخرون تدابير لزعزعة استقرار المنطقة”.

ورد وزير الدفاع الصومالي قائلاً: “على إثيوبيا التوقف عن العويل لأن الجميع سيحصدون ما زرعوه”، وذلك  في إشارة إلى العلاقات الدبلوماسية بينهما، التي تشهد تدهورًا منذ أشهر.

وقال خاننجي لـ “بي بي سي”، إن ما لا يقل عن 17 ألف سفينة  تمر عبر قناة السويس سنويًا، ما يعني أن 12% من التجارة العالمية السنوية تمر عبر البحر الأحمر، بما يعادل 1 تريليون دولار من البضائع، وفقًا لمراقب الشحن “لويدز ليست”.

وفي حين قالت إثيوبيا إنها ضاعفت توليد الكهرباء من سدها الضخم المثير للجدل على النيل الأزرق بعد بدء تشغيل توربينين آخرين، وجه وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي رسالة إلى رئيس مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، بشأن تصريحات رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، الأخيرة بشأن المرحلة الخامسة من ملء سد النهضة الإثيوبي اليوم الأحد 1 سبتمبر/أيلول 2024.

وقالت الهيئة المسؤولة عن سد النهضة الإثيوبي، الذي تبلغ تكلفته عدة مليارات من الدولارات في منشور على موقع “إكس”  في وقت متأخر من يوم الثلاثاء 26 أغسطس/آب 2024، إن السد يولد الآن نحو 1550 ميغاواط من الكهرباء.

وأضافت: “بدأ التوربينان اللذان يولدان نحو 800 ميغاواط مناصفة التشغيل، إضافة إلى توربينين آخرين جرى تشغيلهما في وقت سابق، يولدان 750 ميغاواط مناصفة، بإجمالي توليد 1550 ميغاواط”، وفقًا لوكالة “فرانس برس”.

مصر والصومال

في رسالة وزير خارجية مصر لمجلس الأمن، وصف عبد العاطي تصريحات آبي أحمد حول حجز كمية من مياه النيل الأزرق هذا العام، واستكمال الهيكل الخرساني للسد الإثيوبي بأنها “غير مقبولة تمامًا من قبل الدولة المصرية”.

والتقى رئيس الوزراء المصري -أيضًا- مصطفى مدبولي بنظيره الصومالي حمزة عبدي بري في القاهرة أمس السبت 31 أعسطس/آب 2024،  لبحث تعزيز التعاون الاقتصادي والأمني ​​بين البلدين، بحسب بيان صادر عن مجلس الوزراء المصري.

وخلال الاجتماع، أكد مدبولي التزام مصر بتعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية مع الصومال، بما في ذلك تصدير السلع الأساسية لدعم السكان الصوماليين. كما أكد على دعم مصر لسيادة الصومال ووحدتها، خاصة في ضوء التطورات الأخيرة في المنطقة.

وتتهم مصر أديس أبابا بتهديد إمداداتها من المياه ببناء سد النهضة الإثيوبي الكبير. وبدأ هذا البناء في عام 2011 على رافد النيل الأزرق في المرتفعات الشمالية الغربية لإثيوبيا، حيث يتدفق 85% من مياه النيل.

وقالت مصر إن انخفاض 2% من مياه النيل، يمكن أن يؤدي إلى خسارة نحو 200 ألف فدان (81 ألف هكتار) من الأراضي الزراعية التي تعتمد على مياه النيل في الري.

وبالنسبة لإثيوبيا، يُنظر إلى السد كوسيلة لإحداث ثورة في البلاد من خلال توليد الكهرباء لنحو 60% من السكان، وضمان تدفق مستمر للكهرباء لتزويد المصانع والشركات.

إشراك العدو النيلي

بالنسبة للصومال، لم تكتف بإشراك عدوها النيلي مصر في هذا التوتر، بل أعلنت -أيضًا- أن القوات الإثيوبية لن تكون جزءًا من قوة الاتحاد الأفريقي، بدءًا من يناير/كانون الثاني المقبل.

ويرجع ذلك إلى ما أسفر عنه طموح رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، الذي يريد أن يكون لبلاده غير الساحلية ميناء. وكانت إثيوبيا قد فقدت قدرتها على الوصول إلى البحر عندما انفصلت إريتريا في أوائل التسعينيات من القرن الماضي.

واحتفالًا بيوم رأس السنة الجديدة، وقع آبي أحمد اتفاقية مثيرة للجدل مع جمهورية أرض الصومال المنفصلة عن الصومال، لاستئجار ساحل بطول 20 كيلومترًا (12 ميلاً) من ساحلها لمدة 50 عامًا، لإنشاء قاعدة بحرية.

كما يمكن أن يؤدي ذلك إلى اعتراف إثيوبيا رسميًا بالجمهورية المنفصلة – وهو الأمر الذي تسعى أرض الصومال جاهدة لتحقيقه، رغم عدم اعتراف أي الدول بها باستثناء تايوان.

وانفصلت أرض الصومال عن الصومال منذ أكثر من 30 عامًا، لكن مقديشو تعدها جزءًا من أراضيها – ووصفت الاتفاق بأنه عمل “عدواني”.

وقال المحلل الجيوسياسي جوناثان فينتون هارفي، في التقرير الذي طالعته منصة “غذاء ومناخ”، إن الصومال تخشى أن تشكل مثل هذه الخطوة سابقة، وتشجع دولاً أخرى على الاعتراف باستقلال أرض الصومال”. وأضاف أن جيبوتي المجاورة كانت قلقة -أيضًا- من أنها قد تضر باقتصادها المعتمد على الموانئ، حيث اعتمدت إثيوبيا تقليديًا على جيبوتي للواردات.

وقال وزير خارجية جيبوتي محمود علي يوسف، في محاولة لتهدئة التوترات، إن بلاده مستعدة لتقديم “100%” لإثيوبيا للوصول إلى أحد موانئها.

وأضاف: “سيكون في ميناء تاجورة – على بعد 100 كيلومتر [62 ميلاً] من حدود إثيوبيا”. ويبدو ذلك تغيرًا للنغمة، حيث كانت جيبوتي مترددة في منح جارتها وصولاً غير مقيد إلى البحر الأحمر في العام الماضي.