هدر الطعام التالف ضرورةإلقاء مخلفات الطعام في مكب النفايات - الصورة من فوود برنت

غذاء ومناخ

قد يكون هدر الطعام ضروريًا في بعض الأحيان، إذ يجب التخلص من الطعام الذي تظهر عليه علامات التلف، وقد يضر بصحة مستهلكيه، وفق توصية مقال اطلعت عليه منصة “غذاء ومناخ“.

ويوصي المقال بالقضاء على ثقافة الشعور بالذنب تجاه هدر الطعام في مثل هذه الحالات للوقاية من عواقب صحية وخيمة محتملة.

لأجيالٍ نجت من الكساد الكبير والحروب العالمية وعدم الاستقرار الاقتصادي، كان هدر الطعام مرادفًا للفشل الأخلاقي. وخلال منتصف القرن العشرين، أُضيف الطابع الرسمي على هذه الروح من خلال مبادرات مثل “نوادي الأطباق النظيفة” التي ترعاها المدارس، والتي كانت تكافئ الأطفال على تناول كل لقمة من وجباتهم.

واليوم، لا تزال هذه العقلية قائمة، وقد تفاقمت بسبب الحركات البيئية الحديثة التي تُصوّر هدر الطعام كعامل مُسبب لتغير المناخ.

وكشفت دراسة استقصائية أجراها المجلس الدولي لمعلومات الغذاء عام 2022 أن ما يقارب من 70% من البالغين يشعرون بالذنب عند التخلص من الطعام، ما يدفع الكثيرين إلى استهلاكه على الرغم من علامات التلف.

ويتفاقم هذا الشعور بالذنب بفعل التوقعات الاجتماعية والأسرية. ففي كثير من الأسر، يُفسَّر ترك الطعام دون أكل على أنه جحود للطاهي أو عدم احترام للجهد المبذول في إعداده. غالبًا ما يتغلب الثقل العاطفي لهذه التصورات على التقييمات المنطقية لسلامة الغذاء، ما يخلق صراعًا نفسيًا بين الرغبة في تجنب الهدر والحاجة إلى حماية الصحة.

أولوية تجنب هدر الطعام على السلامة

تُرسِّخ التقاليد الثقافية الضغط لإعطاء الأولوية لتجنب هدر الطعام على السلامة. في المجتمعات الجماعية، حيث تُعدّ الوجبات الجماعية جوهر الروابط الاجتماعية، يُمكن اعتبار ترك الطعام دون أكل إهانة للمضيف.

ووجدت دراسة أُجريت عام 2023، ونُشرت في مجلة حماية الغذاء، أن الأفراد من ثقافات تُؤكِّد على الانسجام المجتمعي كانوا أكثر عرضة لتناول طعام مشكوك فيه في التجمعات مقارنةً بمن ينتمون إلى خلفيات فردية.

على سبيل المثال، في اليابان، يدفع مبدأ “موتايناي”، وهو مصطلح يُعبِّر عن الندم على الهدر، الكثيرين إلى استخدام مواد منتهية الصلاحية من المخزن أو إعادة استخدام بقايا الطعام بطرق تخالف إرشادات السلامة.

وبالمثل، غالبًا ما تتضمن تقاليد الطهي المتوسطية التي تحتفي بالبراعة، مثل “كوتشينا بوفيرا” (الطبخ الفلاحي) الإيطالي، استخدام مكونات قديمة قد تحتوي على مسببات أمراض غير مرئية.

عفن على الخبز – الصورة من ديليش

ورغم أن هذه الممارسات نابعة من الاقتصاد واحترام المكونات، إلا أنها تتعارض مع المفاهيم الحديثة للأمراض المنقولة بالغذاء. وقد أدى تنامي أنظمة الغذاء العالمية وتغير المناخ إلى تغيير مشهد المخاطر، ما أدى إلى ظهور مسببات أمراض قد لا تتوافق مع أساليب الحفظ التاريخية.

ومن العوامل الحاسمة في الاستهلاك غير الآمن الاعتقاد الخاطئ بأن الطعام الفاسد يمكن اكتشافه دائمًا من خلال البصر أو الشم أو التذوق. ويؤكد البحث العلمي على محدودية الاعتماد على الإشارات الحسية لتقييم السلامة.

فالليستيريا المستوحدة، وهي بكتيريا مسؤولة عن العدوى الشديدة، يمكن أن تتكاثر في البيئات المبردة دون تغيير مظهر الطعام أو رائحته.

ويُمثل العفن خطرًا مُضلِّلًا آخر. فبينما يعتقد الكثيرون أن إزالة العفن المرئي من أطعمة مثل الخبز أو الجبن تُجنِّب المخاطر، إلا أن السموم الفطرية، وهي مواد مسرطنة قوية تُنتجها أنواع معينة من العفن، يُمكن أن تتغلغل في المنتج بأكمله. لذلك تُحذِّر إدارة الغذاء والدواء الأميركية من أن إزالة الأجزاء المتعفنة غير كافية للأطعمة اللينة أو المسامية، إذ قد تكون المركبات السامة قد انتشرت بشكل غير مرئي.

مبادرات الاستدامة الحديثة

على الرغم من حسن نواياها، غالبًا ما تُرسّخ مبادرات الاستدامة الحديثة، دون قصد، الممارسات غير الآمنة. وقد واجهت تطبيقات مثل “تو غود تو غو”، التي تربط المستهلكين بوجبات مخفضة الصلاحية شبه منتهية الصلاحية من المطاعم ومحلات البقالة، انتقادات لتشجيعها على استهلاك مواد عالية الخطورة.

وقد وجدت دراسة أجريت عام 2024 في المملكة المتحدة أن أكثر من  20% من المستخدمين أبلغوا عن أمراض منقولة بالغذاء بعد استهلاك مشتريات من هذه المنصات. ولا شك في أن الفوائد البيئية للحد من الهدر لا يمكن إنكارها، لكن خبراء الصحة العامة يجادلون بأن التكاليف الطبية والخسائر البشرية الناجمة عن الأمراض المنقولة بالغذاء تفوق المكاسب البيئية.

تُبرز هذه المفارقة الحاجة إلى نهج دقيق للاستدامة يُعطي الأولوية لكل من صحة الكوكب ورفاهية الفرد. قد يبدو التخلص من الطعام الفاسد إهدارًا للموارد، لكن الموارد المُنفقة على علاج الأمراض التي يمكن الوقاية منها تُمثل تكلفة نظامية أكبر بكثير.

تتطلب معالجة هذه المشكلة إعادة النظر في السرديات الثقافية واعتماد حلول عملية. تشمل استراتيجيات رئيسة مثل: توضيح تواريخ الصلاحية، حيث يُسهم سوء تفسير تواريخ “يفضل استهلاكه قبل” و”يُستخدم قبل” في حدوث التباس. الحملات التثقيفية التي توضح أن “يُفضل استهلاكه قبل” تشير إلى الجودة (وليس السلامة) يمكن أن تمنع المخاطرة غير الضرورية. مع ذلك، تتطلب المواد القابلة للتلف، مثل اللحوم ومنتجات الألبان، التزامًا صارمًا بإرشادات “يُستخدم قبل”.

كما أن أنه يمكن للمطاعم والمنازل اعتماد ممارسات مثل تقديم نصف الحصص أو استخدام أطباق أصغر حجمًا لتقليل الفائض.

إلقاء مخلفات الطعام في مكب النفايات – الصورة من فووديتود

وفي هذا الإطار، يُعيد عدد متزايد من المجتمعات تعريف معنى “احترام” الطعام. في السويد، حيث تحولت المدارس من إلزام الأطفال بتنظيف الأطباق، إلى تعليم الأطفال الاستماع إلى إشارات أجسامهم. وترفض بنوك الطعام الكندية الآن التبرعات منتهية الصلاحية، مُعطيةً الأولوية لسلامة المستفيدين على الكمية. توضح هذه الأمثلة تحولًا ثقافيًا أوسع نطاقًا نحو الاستهلاك الواعي – استهلاك يُقدّر التغذية دون المساس بالصحة، وفق مقال منشور في “فوود بويسيننينغ نيوز“.