غذاء ومناخ
لا تزال أزمة سد النهضة الإثيوبي وحصة مصر التاريخية من مياه نهر النيل المهددة؛ تثير معارك شعبية في القاهرة، وأديس أبابا، في الوقت الذي تلتزم فيه حكومة مصر الصمت التام.
ووفق اتفاقيات قديمة ترجع إلى خمسينيات القرن الماضي، تبلغ حصة مصر من مياه نهر النيل السنوية 55.5 مليار متر مكعب.
وفي حين يردد البعض معلومات عن النشاط الزلزالي في إثيوبيا، وما يمكن أن ينجم عنه من انهيار سد النهضة، وعلى رأسهم الجيولوجي عباس شراقي، حذر آخرون من تكرار الحديث عن هذا الأمر الذي يخدر الشعور العام، ويمنح إيحاء بأن الله سيتولى هدم سد النهضة، وفي مقدمتهم وزير الري والموارد المائية الأسبق محمد نصر علام.
إلى أن شارك عالم الفضاء المصري الأميركي، عصام حجي، المعركة اليوم السبت 4 يناير/كانون الثاني 2025، ليرد على تساؤلات بشأن الزلازل، محذرًا من الانخراط في معارك جانبية، في حين أن الاهتمام الأكبر يجب أن ينصب على الجفاف القادم.
غير أن الأمر في إثيوبيا وصل إلى مراحل متقدمة، فقد تجاوز كل هذه القضايا الهامشية، حيث تدور الحوارات في وسائل الإعلام عن الكهرباء المولدة من سد النهضة، والمشروعات المرتقب تنفيذها فور دخول اتفاقية عنتيبي حيز التنفيذ الفعلي، والمتوقع لها أن تكون في أبريل/نيسان المقبل.
وفي السياق ذاته؛ أشارت بيانات في وسائل إعلام إثيوبية وصومالية عن تقدم المفاوضات بين الجانبين، لدرجة موافقة مقديشيو على مشاركة أديس أبابا في قوات حفظ السلام في البلاد بعد رفض استمر أكثر من عام، خاصة بعد خلاف مع بوروندي دفعها إلى الانسحاب من هذه القوات، رغم دورها الكبير من قبل.
ولا يتضح حتى الآن موقف مصر من هذا التقارب، خاصة أن القاهرة وقعت اتفاقية دفاع مشترك مع مقديشيو في وقت سابق، في إطار محاولات محاصرة إثيوبيا، وفق خبراء.
ورغم كل هذا الصخب تلتزم القاهرة الصمت التام، كما تمنع الحديث عن هذه القضية داخل البلاد، سواء في وسائل الإعلام أو من قبل مسؤولي المؤسسات الدولية، وفق معلومات اطلعت عليها منصة “غذاء ومناخ“.
زلازل إثيوبيا وسد النهضة
استمرارًا لتغريدات الجيولوجي المصري عباس شراقي على موقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك)، كتب اليوم السبت 4 يناير/كانون الثاني 2025، بعنوان “أقوى زلزال خلال العشر سنوات الأخيرة 5.8 درجة”، قائلًا: “يتوالى النشاط الزلزالى بقوة فى إثيوبيا حيث وقع قبل فجر اليوم الساعة 2:53 صباحًا بتوقيت القاهرة، زلزال بقوة 5.8 درجة على عمق 10 كم فى منطقة الاخدود الإثيوبى، على بعد 10 كم شمال بركان دوفن الذى بدأ نشاطه أمس، وهو اقوى زلزال خلال العشر سنوات الماضية، ولم ترد أى معلومات عن الخسائر”.
وكتب شراقي على صفحته على فيس بوك، قبل أيام، قائلًا: “استمرار حالة النشاط الزلزالى غير المسبوق فى إثيوبيا حيث وقع صباح اليوم الإثنين 30 ديسمبر/كانون الأول 2024 ، 7 زلازل بقوة 5.1 درجة على عمق 10 كيلومتر، تبعد 500 – 600 كيلومتر عن سد النهضة، و100 – 150 كيلومتر من العاصمة أديس أبابا”.
وفي حين حذر وزير الري والموارد المائية الأسبق، محمد نصر علام (كان وزيرًا من 2009 حتى 2011)، على موقع التواصل الاجتماعي نفسه، يوم الخميس 2 يناير/كانون الثاني 2025، من تكرار الحديث عن الزلازل، شاركه عالم الفضاء المصري الأميركي في وكالة ناسا، عصام حجي الرأي اليوم بتغريدة مشابهة.
وقال علام: ” تعليقات هزلية يومية عن زلازل وهزات أرضية في إثيوبيا لأن ربنا زعلان منها لأنها زعلت مصر.. عيب وكفاية كده، مصر أكبر كتير قوى من كده”.
وكتب حجي تعليقًا على فيسسبوك تحت عنوان “هل إقترب انهيار سد النهضة ؟”، قائلًا: “وصل فريقنا العلمي العديد من الأسئلة حول عِلاقة النشاط الزلزالي الحالي في إثيوبيا وتأثيره على سد النهضة. وأنا كباحث متخصص في مراقبة البراكين والزلازل باستخدام تقنيات متقدمة أريد توضيح التالي: يتركز النشاط الزلزالي في إثيوبيا في منطقة الأخدود الأفريقي العظيم، والذي يبعد أكثر من 560 كم من موقع سد النهضة، وهو صدع جيولوجي نشط منذ أكثر من 25 مليون سنة، مايعني أن النشاط الزلازلى ليس وليد اللحظة، ونتج عن البراكين التي تنشط بصورة متكررة على مدد متباعدة؛ قد تصل إلى عشرات أو آلاف السنين، ويسبق تلك البراكين نشاط زلزالي طبيعى، مثلما يحدث اليوم فى إثيوبيا، ومن الطبيعي أن يستمر المدة المقبلة، لكن ليس بسبب بحيرة السد كما يشاع إعلاميًا”.
وأضاف حجي: “أنه لا شك أن الكوارث الطبيعية مثل الزلازل لها تأثير كبير على المنشآت مثل السدود، ولكن عند بنائها يُأخذ في الاعتبار الطبيعة الزلزالية لموقع البناء، ويجري التصميم بمعايير دولية تحمي المنشآت من الهزات المتوقعة، والدليل أن الزلازال المدمرة النشطة في تركيا والمغرب في العامين السابقين، لم تسبب انهيار السدود القريبة. ولذلك فإن احتمالية انهيار سد النهضة بسبب الزلازل الحالية ضعيفة”.
وتابع حجي: “تكرار تناول الإعلام موضوع انهيار سد النهضة بالتهويل دون وجود أدلة علمية كافية، يداعب مشاعر خاطئة للجموع، حيث يتخيل هؤلاء أن العدالة الإلهية لهذه القضية ستكون بانهيار السد؛ هو مفهوم خاطئ يزيد الطين بله.. الخطر الحقيقي ليس انهيار سد النهضة، بل هو الدخول في حالة جفاف مثل التي حدثت في ثمانينات القرن الماضي، دون الوصول لاتفاق لتشغيل تعاوني بين سد النهضة والسد العالي، لحماية مصر من شح المياه في تلك المدة. وهذه هي نقطة النقاش الرئيسة التي تركز عليها المفاوضات، والتى يجب أن تكون محل اهتمامنا جميعا”.
ولفت حجي إلى دراسة أجراها فريقه، توضح سير المفاوضات ونقاط الخلاف والحلول المقترحة، ومنشورة في مجلة “ناتشر“.
مشروعات المستقبل بعد اتفاقية عنتيبي
في الوقت الذي يظل أمر سد النهضة مثار جدل عقيم في مصر؛ لن يغير شيئًا من الأزمة المتوقعة، تمضي إثيوبيا قدمًا، حتى أنها تستعد لتنفيذ مشروعات عديدة مشتركة مع دول المنبع الموقعة على اتفاقية عنتيبي.
ودخل اتفاق الإطار التعاوني لحوض النيل المعروف بـ “اتفاقية عنتيبي” حيز التنفيذ رسميًا في 13 أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي( 2024).
وصادقت على الاتفاقية 6 دول هي: إثيوبيا وتنزانيا ورواندا وأوغندا وبوروندي وكينيا وجنوب السودان في يوليو/تموز الماضي، لتكون الدولة المكملة لثلثي دول الحوض، ما يمهد لتنفيذ الاتفاقية، في حين لم توقع عليها كل من الكونغو ومصر والسودان وإريتريا.
وتنص المادة 43 من الاتفاقية على دخولها مضمار التنفيذ في اليوم الـ60، الذي يلي إيداع وثيقة التصديق لدى الاتحاد الأفريقي.
وفي 9 سبتمبر/أيلول الماضي، سلمت إثيوبيا رسميا اتفاقية عنتيبي إلى الاتحاد الأفريقي؛ تمهيدًا لدخولها حيز التنفيذ، وإنشاء مفوضية حوض نهر النيل، ثم أعلنت هذه الخطوة في رسالة إلى مجلس الأمن الدولي، حيث قالت في رسالتها للمجلس إن الاتفاقية تُعد أول إطار قانوني على مستوى دول الحوض، يمكن أن يعزز التعاون بين الدول المتشاطئة من أجل الرخاء المشترك لشعوب الحوض.
وتتوقع وسائل إعلام إثيوبية الانتهاء من تشكيل مفوضية حوض نهر النيل في أبريل/نيسان المقبل. لذلك تستعد الدول الموقعة على اتفاقية عنتيبي بقيادة إثيوبيا إلى تنفيذ عدد من المشروعات المشتركة في مجالات توليد الكهرباء والري والزراعة.
من ناحية أخرى، أعلنت إثيوبيا تقدم المفاوضات مع الصومال، وفق ما ذكره موقع “ذا دايلي صومال“، على منصة (إكس)، والذي أشار -أيضًا- إلى موافقة مقديشيو على مشاركة أديس أبابا في قوات حفظ السلام في البلاد.